الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : إنه أمر بالتوضؤ [ بالقرآن ] إذا أراد أحد أن يمس صحفه ، فإنهم اختلفوا ; فمنهم من قال : إن لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر ، وقد بينا فساد ذلك في كتب الأصول ، وفيما تقدم من كلامنا في هذا الكتاب ، وحققنا أنه خبر عن الشرع ، أي لا يمسه إلا المطهرون شرعا ، فإن وجد بخلاف ذلك فهو غير الشرع .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : إن معناه لا يجد طعمه إلا المطهرون من الذنوب التائبون العابدون فهو صحيح ، اختاره البخاري ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ذاق طعم الإسلام من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا } ; لكنه عدول عن الظاهر لغير ضرورة عقل ولا دليل سمع .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته { : من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال ، والحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال ، قيل ذي رعين ومعافر وهمدان : أما بعد وكان في كتابه ألا يمس القرآن إلا طاهر } .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي أن عمر بن الخطاب دخل على أخته وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وهما يقرآن طه ، فقال : ما هذه الهينمة ، وذكر الحديث إلى أن قال : هاتوا الصحيفة . فقالت له أخته : إنه لا يمسه إلا المطهرون فقام واغتسل وأسلم . وقد قال أبو بكر الصديق يرثي النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 147 ]

                                                                                                                                                                                                              فقدنا الوحي إذ وليت عنا وودعنا من الله الكلام     سوى ما قد تركت لنا قديما
                                                                                                                                                                                                              توارثه القراطيس الكرام

                                                                                                                                                                                                              وأراد صحف القرآن التي كانت بأيدي المسلمين التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمليها على كتبته .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال أهل العراق منهم إبراهيم النخعي . ولا يمس القرآن إلا طاهر .

                                                                                                                                                                                                              واختلفت الرواية عن أبي حنيفة ; فروي عنه أنه يمسه المحدث ، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه . وأما الكتاب فلا يمسه إلا المطهرون . وهذا إن سلم مما يقوي الحجة عليه ; لأن حريم الممنوع ممنوع ، وفيما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أقوى دليل عليه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية