الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  505 7 - (حدثنا إبراهيم بن حمزة، قال: حدثني ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا، ما تقول، ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، والباب الذي قبل الباب الذي قبله أعم من هذه الترجمة؛ لأنه يتناول الصلوات الخمس وغيرها من أنواع الصلاة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم سبعة: الأول إبراهيم بن حمزة بالحاء المهملة، وقد مر في كتاب الإيمان. الثاني عبد العزيز بن أبي حازم بالحاء المهملة، وقد مر في باب نوم الرجال. الثالث عبد العزيز بن محمد الدراوردي نسبة إلى دراورد بفتح الدال والراء المهملتين، ثم ألف، ثم واو مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم دال مهملة، وهي قرية بخراسان.

                                                                                                                                                                                  وقال أكثرهم: منسوب إلى داربجرد مدينة بفارس، وهي من شواذ النسب. الرابع يزيد - من الزيادة - ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي الأعرج، مات سنة تسع وثلاثين ومائة. الخامس محمد بن إبراهيم التيمي مات سنة عشرين ومائة. السادس أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. السابع أبو هريرة، سماه البخاري : عبد الله. وقال عمرو بن علي: لا يعرف له اسم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الإفراد في موضع واحد وبصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في أربعة مواضع، وفيه اثنان اسم كل منهما عبد العزيز، وفيه ثلاثة تابعيون؛ وهم يزيد وهو تابعي صغير، ومحمد وأبو سلمة، وفيه أن رواته كلهم مدنيون، وفيه أن شيخ البخاري من أفراده.

                                                                                                                                                                                  (ذكر من أخرجه غيره) أخرجه مسلم في الصلاة، عن قتيبة، عن ليث وبكر بن مضر، عن ابن الهاد، وأخرجه الترمذي في الأمثال، عن قتيبة به، وأخرجه النسائي في الصلاة، عن قتيبة، عن الليث وحده به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " أرأيتم " الهمزة للاستفهام على سبيل التقرير، والتاء للخطاب، ومعناه: أخبروني، ويروى: " أرأيتكم " بالكاف والميم لا محل لهما من الإعراب. قوله: " لو أن نهرا " قال الطيبي : لفظ لو يقتضي أن يدخل على الفعل وأن يجاب، لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا أو تقريرا، والتقدير: لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا، والنهر بفتح الهاء وسكونها: ما بين جنبي الوادي، سمي بذلك لسعته، وكذلك سمي النهار لسعة ضوئه. قوله: " ما تقول "؛ أي: أيها السامع، وفي رواية مسلم : ما تقولون. قوله: " ذلك " إشارة إلى الاغتسال.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن مالك: فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن، والشرط فيه أن يكون فعلا مضارعا مسندا إلى المخاطب متصلا بالاستفهام، كما في هذا الحديث، ولغة سليم إجراء فعل [ ص: 16 ] القول مجرى الظن بلا شرط، فيجوز على لغتهم أن يقال: قلت زيدا منطلقا ونحوه، وقوله: (ما تقول) كلمة ما الاستفهامية في موضع نصب بلفظ يبقى، وقدم؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، والتقدير: أي شيء تظن ذلك الاغتسال مبقيا من درنه، وتقول يقتضي مفعولين أحدهما هو قوله: (ذلك)، والآخر وهو المفعول الثاني قوله: (يبقي) وهو بضم الياء من الإبقاء. قوله: (من درنه) بفتح الدال والراء، وهو الوسخ. قوله: (شيئا) منصوب؛ لأنه مفعول، لا يبقي بضم الياء أيضا وكسر القاف، وفي رواية مسلم : " لا يبقى من درنه شيء" فشيء مرفوع؛ لأنه فاعل. قوله: (لا يبقى) بفتح الياء والقاف. قوله: (فكذلك) الفاء فيه جواب شرط محذوف؛ أي: إذا أقررتم ذلك وصح عندكم فهو مثل الصلوات، وفائدة التمثيل التقييد، وجعل المعقول كالمحسوس.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن العربي : وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنبا إلا أسقطته وكفرته، فإن قلت: ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر؛ لأن لفظ الخطايا يطلق عليها. قلت: روى مسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، مرفوعا: " الصلوات الخمس كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر ".

                                                                                                                                                                                  قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة؛ لأنه شبه الخطايا بالدرن، والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والجراحات، فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد بالدرن الحب، (قلت): لا بل المراد به الوسخ؛ لأنه هو الذي يناسبه التنظيف والتطهير ويؤيد ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أرأيت لو أن رجلا كان له معتمل وبين منزله ومعتمله خمسة أنهار، فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله، فأصابه وسخ أو عرق، فكلما مر بنهر اغتسل منه " الحديث. رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار عنه، فإن قلت: الصغائر مكفرة بنص القرآن باجتناب الكبائر، فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ (قلت): لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فإذا لم يفعلها لم يكن مجتنبا للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر، فيتوقف التكفير على فعلها. قوله: (بها)؛ أي: بالصلوات ويروى به بتذكير الضمير؛ أي: بأداء الصلوات.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية