الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1181 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات يشرك بالله شيئا دخل النار وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عمر بن حفص ) ؛ أي ابن غياث ، وشقيق هو أبو وائل ، وعبد الله هو ابن مسعود ، وكلهم كوفيون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من مات يشرك بالله ) في رواية أبي حمزة ، عن الأعمش في تفسير البقرة : " من مات وهو يدعو من دون الله ندا " ، وفي أوله : " قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا أخرى " . ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد ، والموقوف الوعد . وزعم الحميدي في " الجمع " وتبعه مغلطاي في شرحه ، ومن أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع ، وابن نمير بالعكس بلفظ : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وقلت أنا : من مات يشرك بالله شيئا دخل النار . وكأن سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة ، والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس ، لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري ، قال : وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو عوانة [1] وحده ، وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه ، والصواب رواية الجماعة . وكذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم ، وابن خزيمة من طريق يسار [2] وابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق ، وهذا هو الذي يقتضيه النظر ، لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة على وفقه ، فلا يحتاج إلى استنباط ، بخلاف جانب الوعد ، فإنه في محل البحث ، إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم . وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ : " قيل : يا رسول الله ، ما الموجبتان ؟ قال : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار . وقال النووي : الجيد أن يقال : سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه في وقت حفظ إحداهما ، وتيقنها ، ولم يحفظ الأخرى ، فرفع المحفوظة ، وضم الأخرى إليها ، وفي وقت بالعكس . قال : فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظتين . انتهى . وهذا الذي قال محتمل بلا شك ، لكن فيه بعد مع اتحاد مخرج الحديث ، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالا قريبا مع أنه يستغرب من انفراد راو من الرواة بذلك دون رفقته وشيخهم ومن فوقه ، فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا التعسف .

                                                                                                                                                                                                        ( فائدة ) : حكى الخطيب في " المدرج " أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم مرفوعا كله ، وأنه وهم في ذلك ، وفي حديث ابن مسعود دلالة على أنه كان يقول بدليل الخطاب ، ويحتمل أن يكون أثر ابن مسعود أخذه من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة والنار ، وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير ، وسيأتي البحث فيه في الأيمان والنذور .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية