الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن أدرك معه الركعة الأخيرة كان ذلك أول صلاته ; لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " ما أدركت فهو أول صلاتك " وعن ابن عمر أنه قال : يكبر فإذا سلم الإمام قام إلى ما بقي من صلاته ، فإن كان ذلك في صلاة فيها قنوت فقنت مع الإمام أعاد القنوت في آخر صلاته ; لأن ما فعله مع الإمام فعله للمتابعة فإذا بلغ إلى موضعه أعاده كما إذا تشهد مع الإمام ثم قام إلى ما بقي فإنه يعيد التشهد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) مذهبنا أن ما أدركه المسبوق فهو أول صلاته ، وما يتداركه بعد سلام الإمام آخر صلاته فيعيد فيه القنوت قال الشافعي : ( فإن أدرك أول ركعتين من رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة في الأخريين ) وقيل : هذا تفريع على قوله : ( تسن السورة في جميع الركعات ولا تختص بالأوليين ) أما إذا خصصنا فلا يقرأ السورة ، والأصح أنه تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته من السورة ، وقد تقدمت هذه المسألة في صفة الصلاة ، وتقدم هناك أيضا أنه لو أدرك ركعتين من العشاء لا يسن الجهر فيما يتداركه على المذهب ; لأنه آخر صلاته ، وقيل في الجهر قولان لئلا تخلو صلاته من جهر ، وأوضحت المسألة هناك ، ولو أدرك ركعة من المغرب قام بعد سلام الإمام ويصلي ركعة ثم يتشهد ، ثم ثالثة ويتشهد .

                                      [ ص: 118 ] فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته ، وما يتداركه آخرها ، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق ، حكاه عنهم ابن المنذر قال : وبه أقول ، قال : وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم ، وهو رواية عن مالك وبه قال داود .

                                      وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد : ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته .

                                      وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين ، واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم " { ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا } رواه البخاري ومسلم واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " { ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة .

                                      قال البيهقي : الذين رووا فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث ، فهم أولى قال الشيخ أبو حامد والماوردي : وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره ، وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم .

                                      قال أصحابنا : ولأنه لو أدرك ركعة من المغرب فقام للتدارك يصلي ركعة ثم يجلس ويتشهد ، ثم يقوم إلى الثالثة ، وهذا متفق عليه عندنا وعند الحنفية .

                                      وممن نقل الاتفاق عليه الشيخ أبو حامد والبغوي ، وهو دليل ظاهر لنا ; لأنه لو كان الذي فاته أول صلاته لم يجلس عقب ركعة .

                                      قال أصحابنا : فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين : ( أحدهما ) : أن رواة فأتموا أكثر وأحفظ ( والثاني ) : أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء ، والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل ، قال الله - تعالى - ( { فإذا قضيتم مناسككم } ) ( { فإذا قضيت الصلاة } ) قال الشيخ أبو حامد : والمراد : وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية