الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (78) قوله : حق جهاده : يجوز أن يكون منصوبا على المصدر. وهو واضح. وقال أبو البقاء: "ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي: جهادا حق جهاده" وفيه نظر من حيث إن هذا معرفة فكيف يجعل صفة لنكرة؟ قال الزمخشري: "فإن قلت: ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس حق الجهاد فيه، أو حق جهادكم فيه. كما قال: "وجاهدوا في الله"؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، فلما كان الجهاد [651/ب] مختصا بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه. ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3400 - ويوم شهدناه سليمى وعامرا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      يعني بالظرف الجار والمجرور، كأنه كان الأصل: حق جهاد فيه، فحذف حرف الجر وأضيف المصدر للضمير، وهو من باب "هو حق عالم وجد عالم" أي: عالم حقا وعالم جدا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ملة أبيكم" فيه أوجه أحدها: أنها منصوبة بـ "اتبعوا" مضمرا قاله الحوفي، وتبعه أبو البقاء. الثاني: أنها على الاختصاص أي: أعني بالدين [ ص: 310 ] ملة أبيكم. الثالث: أنها منصوبة بما تقدمها، كأنه قال: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. قاله الزمخشري. الرابع: أنه منصوب بـ "جعلها" مقدرا، قاله ابن عطية. الخامس: أنها منصوبة على حذف كاف الجر أي كملة إبراهيم، قاله الفراء. وقال أبو البقاء قريبا منه. فإنه قال: "وقيل: تقديره: مثل ملة; لأن المعنى: سهل عليكم الدين مثل ملة أبيكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه". وأظهر هذه الثالث. و "إبراهيم" بدل أو بيان، أو منصوب بأعني.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "هو سماكم" في هذا الضمير قولان، أحدهما: أنه عائد على " إبراهيم " فإنه أقرب مذكور. إلا أن ابن عطية قال: "وفي هذه اللفظة - يعني قوله "وفي هذا"- ضعف قول من قال: الضمير لإبراهيم. ولا يتوجه إلا بتقدير محذوف من الكلام مستأنف" انتهى. ومعنى "ضعف قول من قال بذلك" أن قوله "وفي هذا" عطف على "من قبل"، و "هذا" إشارة إلى القرآن فيلزم أن "إبراهيم" سماهم المسلمين في القرآن. وهو غير واضح; لأن القرآن المشار إليه إنما نزل بعد إبراهيم بمدد طوال; فلذلك ضعف قوله. وقوله: "إلا بتقدير محذوف" الذي ينبغي أن يقدر: وسميتم في هذا القرآن المسلمين. وقال أبو البقاء: "قيل الضمير لإبراهيم، فعلى هذا الوجه يكون قوله "وفي [ ص: 311 ] هذا" أي: وفي هذا القرآن سبب تسميتهم". والثاني: أنه عائد على الله تعالى ويدل له قراءة أبي: "الله سماكم" بصريح الجلالة أي: سماكم في الكتب السالفة وفي هذا القرآن الكريم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ليكون الرسول" متعلق بسماكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "فنعم المولى" أي: الله. وحسن حذف المخصوص وقوع الثاني رأس آية وفاصلة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ تم بعونه تعالى سورة الحج]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية