الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : الدرجة الثالثة : رجاء أرباب القلوب . وهو رجاء لقاء الخالق الباعث على الاشتياق ، المبغض المنغص للعيش ، المزهد في الخلق .

هذا الرجاء أفضل أنواع الرجاء وأعلاها ، قال الله تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ، وقال تعالى : ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ) .

وهذا الرجاء هو محض الإيمان وزبدته ، وإليه شخصت أبصار المشتاقين . ولذلك سلاهم الله تعالى بإتيان أجل لقائه . وضرب لهم أجلا يسكن نفوسهم ويطمئنها .

والاشتياق هو سفر القلب في طلب محبوبه .

واختلف المحبون : هل يبقى عند لقاء المحبوب أم يزول ؟ على قولين .

فقالت طائفة : يزول ؛ لأنه إنما يكون مع الغيبة . وهو سفر القلب إلى المحبوب . فإذا انتهى السفر ، واجتمع بمحبوبه ، وضع عصا الاشتياق عن عاتقه . وصار الاشتياق أنسا به ولذة بقربه .

وقالت طائفة : بل يزيد ولا يزول باللقاء .

قالوا : لأن الحب يقوى بمشاهدة جمال المحبوب أضعاف ما كان حال غيبته . وإنما يواري سلطانه فناءه ودهشته بمعاينة محبوبه ، حتى إذا توارى عنه ظهر سلطان شوقه إليه ، ولهذا قيل :


وأعظم ما يكون الشوق يوما إذا دنت الخيام من الخيام

وقد ذكرنا هذه المسألة مستقصاة وتوابعها في كتابنا الكبير في المحبة . وفي كتاب " سفر الهجرتين " . وسنعود إليها إذا انتهينا إلى منزلتها إن شاء الله تعالى .

وقوله " المنغص للعيش " فلا ريب أن عيش المشتاق منغص حتى يلقى محبوبه . فهناك تقر عينه . ويزول عن عيشه تنغيصه . وكذلك يزهد في الخلق غاية التزهيد ؛ لأن [ ص: 55 ] صاحبه طالب للأنس بالله والقرب منه . فهو أزهد شيء في الخلق ، إلا من أعانه على هذا المطلوب منهم وأوصله إليه . فهو أحب خلق الله إليه . ولا يأنس من الخلق بغيره . ولا يسكن إلى سواه . فعليك بطلب هذا الرفيق جهدك . فإن لم تظفر به فاتخذ الله صاحبا . ودع الناس كلهم جانبا .


مت بداء الهوى ، وإلا فخاطر     واطرق الحي والعيون نواظر
لا تخف وحشة الطريق إذا جئ     ت وكن في خفارة الحب سائر
واصبر النفس ساعة عن سواهم فإذا لم تجب لصبر فصابر     وصم اليوم واجعل الفطر يوما
فيه تلقى الحبيب بالبشر شاكر     وافطم النفس عن سواه فكل ال
عيش بعد الفطام نحوك صائر     وتأمل سريرة القلب واستح
ي من الله يوم تبلى السرائر     واجعل الهم واحدا يكفك الله
هموما شتى فربك قادر     وانتظر يوم دعوة الخلق إلى الله
ربهم من بطون المقابر     واستمع ما الذي به أنت تدعى
به من صفات تلوح وسط المحاضر     وسمات تبدو على أوجه الخل
ق عيانا تجلى على كل ناظر     يا أخا اللب ، إنما السير عزم
ثم صبر مؤيد بالبصائر     يا لها من ثلاثة من ينلها
يرق يوم المزيد فوق المنابر     فاجتهد في الذي يقال لك ال
بشرى بذا ، يوم ضرب البشائر     عمل خالص بميزان وحي
مع سر هناك في القلب حاضر



التالي السابق


الخدمات العلمية