الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 194 ] ثم دخلت سنة خمسمائة من الهجرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو داود في سننه : حدثنا حجاج بن إبراهيم حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم "

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان ، عن شريح بن عبيد ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرها نصف يوم " قيل : لسعد : وكم نصف يوم ؟ قال : خمسمائة سنة ، وهذا من دلائل النبوة ، وذكر هذه المدة لا ينفي زيادة عليها كما هو الواقع ; لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر شيئا من أشراط الساعة لا بد من وقوعها كما أخبر سواء بسواء ، وسيأتي ذكرها فيما بعد زماننا ، وبالله المستعان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومما وقع في هذه السنة من الحوادث أن السلطان محمد بن ملكشاه حاصر قلاعا كثيرة من حصون الباطنية ، فافتتح منها أماكن كثيرة ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، وجمعا كبيرا ، وجما غفيرا ، وكان من جملة ما افتتح من ذلك قلعة حصينة ؛ كان أبوه قد بناها بالقرب من أصبهان في رأس جبل منيع هناك ، وكان سبب [ ص: 195 ] بنائه لها أنه كان مرة في بعض صيوده ، فهرب منه كلب ، فاتبعه إلى رأس الجبل فوجده وكان معه رجل من رسل الروم ، فقال الرومي : لو كان هذا الجبل ببلادنا لاتخذنا عليه قلعة ، فحدا هذا الكلام السلطان إلى أن ابتنى في رأسه قلعة أنفق عليها ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار ، فاستحوذ عليها بعد ذلك رجل من الباطنية يقال له : أحمد بن عبد الملك بن عطاش فتعب المسلمون بسببها ، فحاصرها ابنه السلطان محمد سنة حتى افتتحها ، وسلخ هذا الرجل وحشى جلده تبنا وقطع رأسه ، فطيف به في الأقاليم ، ثم نقض هذه القلعة حجرا حجرا وألقت امرأته نفسها من أعلى القلعة فتلفت ، وهلك ما كان معها من الجواهر النفيسة ، وكان الناس يتشاءمون بهذه القلعة ، يقولون : كان دليلها كلبا ، والمشير بها كافرا ، والمتحصن بها زنديقا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت حروب كثيرة بين خفاجة وبين عبادة فقهرت عبادة خفاجة وأخذت بثأرها . وفيها استحوذ سيف الدولة صدقة بن منصور الأسدي على مدينة تكريت بعد قتال كثير . وفيها أرسل السلطان محمد الأمير جاولي سقاوو إلى الموصل وأقطعه إياها ، فذهب فانتزعها من الأمير جكرمش بعدما قاتله ، وهزم أصحابه وأسره ، ثم قتله بعد ذلك ، وقد كان جكرمش من خيار الأمراء سيرة وعدلا وإحسانا ، ثم أقبل قلج أرسلان بن قتلمش فحاصر الموصل فانتزعها من جاولي فصار جاولي إلى الرحبة فأخذها ، ثم أقبل إلى قتال قلج فكسره وألقى قلج نفسه في النهر الذي للخابور فهلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها نشأت حروب كثيرة بين الروم والفرنج فاقتتلوا قتالا عظيما وقتل [ ص: 196 ] من الفريقين طائفة كبيرة ثم كانت الهزيمة بعد كل حساب على الفرنج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم عاشوراء منها قتل فخر الملك أبو المظفر بن نظام الملك ، وكان أكبر أولاده ، وهو وزير السلطان سنجر بنيسابور ، وكان صائما ، قتله باطني ، وكان قد رأى في تلك الليلة : الحسين بن علي وهو يقول له : عجل إلينا وأفطر عندنا الليلة ، فأصبح متعجبا فنوى الصوم ذلك اليوم ، وأشار عليه بعض أصحابه أن لا يخرج ذلك اليوم من المنزل ، فما خرج إلا في آخر النهار ، فرأى شابا يتظلم وفي يده رقعة ، فقال : ما شأنك ؟ فناوله الرقعة ، فبينما هو يقرؤها إذ ضربه بخنجر بيده فقتله ، فأخذ الباطني فرفع إلى السلطان فقرره ، فأقر على جماعة من أصحاب الوزير أنهم أمروه بذلك - وكان كاذبا - فقتل وقتلوا أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفر عزل الخليفة الوزير أبا القاسم علي بن جهير وخرب داره التي كان قد بناها أبوه من خراب بيوت الناس ، فكان في ذلك عبرة وموعظة لذوي البصائر والنهى ، واستنيب في الوزارة القاضي أبو الحسن الدامغاني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة تركماني من جهة السلطان محمد بن ملكشاه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية