الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما [14]

                                                                                                                                                                                                                                        في الكلام حذف، والمعنى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ليدعوهم إلى الإيمان فدعاهم إليه ألف سنة إلا خمسين عاما، وأظهر البراهين فكذبوه، ودل على هذا الحذف فأخذهم الطوفان وهم ظالمون وإن هذه القصة قد ذكرت في غير موضع من القرآن "ألف سنة" منصوب على الظرف "إلا خمسين" منصوب على الاستثناء من الموجب، وهو عند سيبويه بمنزلة المفعول؛ لأنه مستثنى عنه كالمفعول، وعند الفراء بإن، لأنها عنده "إن" دخلت عليها "لا" فالنصب عنده بإن، والرفع عنده بلا إذا رفعت. فأما أبو العباس محمد بن يزيد فهو عنده مفعول محض كأنك قلت عنده: استثنيت زيدا. قال أبو جعفر : ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن قول أبي العباس هذا خطأ، ولا يجوز عنده فيه إلا ما قال سيبويه . ونملي كلام أبي إسحاق في الاستثناء الذي ذكره في الآية نصا لحسنه، وأنه قد [ ص: 251 ] شرح فيه أشياء من هذا الباب. قال أبو إسحاق : "الاستثناء في كلام العرب توكيد العدد وتحصيله"؛ لأنك قد تذكر الجملة ويكون الحاصل أكثرها، فإذا أردت التوكيد في تمامها قلت: كلها وإذا أردت التوكيد في نقصانها أدخلت فيها الاستثناء تقول: جاءني إخوتك، تعني أن جميعهم جاءك، وجائز أن تعني أن أكثرهم قد جاءك وإذا قلت: جاءني إخوتك كلهم أكدت معنى الجماعة وأعلمت أنه لم يتخلف منهم أحد وتقول: جاءني إخوتك إلا زيدا فتؤكد أن الجماعة تنقص زيدا وكذلك رؤوس الأعداد تشبه بالجماعات، تقول: عندي عشرة فجائز أن تكون ناقصة وجائز أن تكون تامة فإذا قلت: عندي عشرة إلا نصفا أو عشرة كاملة أعلمت تحقيقها، وكذلك إذا قلت: لبث ألفا إلا خمسين فهو كقولك: عشرة إلا نصفا لأنك استعملت الاستثناء فيما كان أملك بالعشرة من التسعة لأن النصف قد دخل في باب العاشر ولو قلت: عشرة إلا واحدا أو إلا اثنين كان جائزا وفيه قبح؛ لأن تسعة وثمانية يؤدي عن ذلك العدد ولكنه جائز من جهة التوكيد إن هذه التسعة لا تزيد ولا تنقص لأن قولك: عشرة إلا واحدا قد أخبرت بحقيقة العدد فيه. والاختيار في الاستثناء في الأعداد التي هي عقود الكسور والصحاح أن يستثنى. فأما استثناء نصف الشيء فقبيح جدا لا تتكلم به العرب فإذا قلت: عندي عشرة إلا خمسة فليس تكون الخمسة مستثناة من العشرة؛ [ ص: 252 ] لأنها ليست تقرب منها، وإنما يتكلم بالاستثناء كما يتكلم بالنقصان فتقول: عندي درهم ينقص قيراطا فلو قلت: عندي درهم ينقص خمسة الدوانيق أو ينقص نصفه كان الأولى بذلك عندي نصف درهم لأن نصف درهم لا يقع عليه اسم درهم وإخوتك يقع على بعضهم اسم الأخوة "فأخذهم الطوفان" مشتق من طاف يطوف، وهو اسم موضع على ما أحاط بالأشياء من غرق أو قتل أو غيرهما "وهم ظالمون" ابتداء وخبر في موضع الحال.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية