الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص " والتحريم بعقده ووطئه "

                                                                                                                            ش : هو كقول ابن الحاجب في موانع الزوجية : وكل نكاح اختلف فيه اعتبر عقده ووطؤه ما لم يكن بنص ، أو سنة ففي عقده قولان . قال في التوضيح : معنى كلامه أن كل نكاح اختلف العلماء في صحته وفساده والمذهب قائل بالفساد ; فإنه يعتبر عقده فيما يعتبر فيه العقد ووطؤه فيما يعتبر فيه الوطء فيحرم بالعقد على أمهاتها وتحرم بالوطء على آبائه وأبنائه وتحرم عليه البنت بالدخول بالأم فيه وقوله : ما لم يكن بنص ، أو سنة يعني أنه اعتبر العقد والوطء إلا أن يكون الفساد بنص كتاب الله ، أو سنته فحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول ففي عقده قولان ، ويعتبر وطؤه بالاتفاق وقال في المقدمات : والمشهور أن الحرمة تقع بكل نكاح لم يتفق على تحريمه ونفى غيره الخلاف ورأى أن المذهب كله على التحريم فإن قلت : كيف يكون فيه نص كتاب الله ، أو سنته ويختلف فيه ؟

                                                                                                                            قيل : النص على ثلاث اصطلاحات : الأول ما احتمل معنى قطعيا ، ولا يحتمل غيره قطعا ، والثاني : ما احتمل معنى قطعيا ، وإن احتمل غيره ، والثالث : ما احتمل معنى كيف كان ولا يتأتى الخلاف على الاصطلاح الأول فإن قلت : فما مثال ذلك ؟ قيل : أما ما فيه نص سنة فنكاح المحرم وإنكاح المرأة نفسها ، وأما ما فيه نص كتاب فنكاح الخامسة فإن قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } نص في عدم الزيادة ، وقد أجاز بعض الظاهرية الزيادة ا هـ . وفي ابن فرحون نحو ذلك وأوسع منه فراجعه والله أعلم .

                                                                                                                            فقوله : فحذف من الأول إلخ هو من النوع المسمى بالاحتباك من أنواع البديع وهو أن يحذف من أحد شقي الكلام نظير ما أثبته في الثاني ومن الثاني نظير ما أثبته في الأول ومنه قوله تعالى { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع } أي ومثل الأنبياء والذين كفروا كمثل الذي ينعق وينعق به وجعل منه السيوطي قوله تعالى { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } على أن المراد بالزمهرير البرد أي لا يرون فيها شمسا ولا قمرا ولا حرا ولا زمهريرا ومنه قوله تعالى { وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء } التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء وذكر أنه لم يقف عليه في شيء من كتب البديع إلا أنه خطر له في الآية المذكورة أعني قوله { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } وهذا النوع لطيف وإنه لا يعرف في أنواع البديع ما يدخل تحته ، ثم ذكر ذلك لصاحبه برهان الدين البقاعي فأفاده أن بعض شيوخه أفاد أن هذا النوع يسمى الاحتباك ، ثم وقف عليه في شرح بديعية ابن جابر لصاحبه أحمد بن يوسف الأندلسي [ ص: 450 ] قال ومن ألطفه قوله تعالى { خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا } أي صالحا بسيئ وآخر سيئا بصالح ومأخذه من الحبك الذي معناه الشد والإحكام وتحسين آثار الصنعة وبيانه أن مواضع الحذف أشبهت الفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل وقد ذكره الخلوي في بديعيته والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية