الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1355 [ ص: 299 ] 14 - باب: إذا تصدق على غني وهو لا يعلم .

                                                                                                                                                                                                                              1421 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قال رجل: لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق. فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يدى زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية. فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني. فأتي، فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله". [ مسلم: 1022 - فتح: 3 \ 290]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة في الصدقة على السارق والزانية والغني، بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أخرجه مسلم بزيادة: فقيل له: "أما صدقتك فقد قبلت" . وهو ظاهر في الحض على الاغتباط بالصدقات، وكان هذا الرجل فيمن كان قبلنا فجازاه بها وقبل ذلك منه كما سلف، نبه عليه ابن التين قال: وقوله: "فأتي فقيل له". يحتمل أن يكون أخبره بذلك نبي، أو أخبر في نوم.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: قد جاء مصرحا بالثاني. ففي "مستخرج أبي نعيم": "فأتي في منامه فقيل له: إن الله -عز وجل- قد قبل صدقتك". وجزم به المهلب فقال: يعني: أنه أري في المنام، والرؤيا حق.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 300 ] وقوله: "فلعله أن يستعفف عن سرقته". (لعل) من الله تعالى على معنى القطع والحتم. ودل ذلك أن صدقة الرجل على السارق والزانية والغني قد يقبلها الله تعالى، وقد صرح به كما سلف، لا سيما إذا كانت سببا إلى ما يرضي الرب تعالى، فلا شك في فضلها وقبولها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "فعلها أن تستعف عن زناها". قال ابن التين: رويناه بالمد. وعند أبي ذر بالقصر، وهي لغة أهل الحجاز، والمد لأهل نجد.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في الذي يعطي الفقير من الزكاة على ظاهر فقره ثم يتبين غناه، فقال الحسن البصري : إنها تجزئه. وهو قول أبي حنيفة ومحمد ، وقبلهما إبراهيم. قالوا: لأنه قد اجتهد وأعطى فقيرا عنده، وليس عليه غير الاجتهاد، وأيضا فإن الصدقة إذا خرجت من مال المتصدق على نية الصدقة أنها جازئة عنه حيث وقعت ممن بسط إليها يدا إذا كان مسلما بهذا الحديث، وقال أبو يوسف والثوري والحسن بن حي والشافعي : لا يجزئه; لأنه لم يضع الصدقة موضعها، وقد أخطأ في اجتهاده، كما لو نسي الماء في رحله وتيمم لصلاة لم تجزئه صلاته . واختلف قول ابن القاسم : هل تجزئه أم لا ؟ قال ابن القصار : وقول مالك يدل على هذا; لأنه نص في كفارة اليمين: إن أطعم الأغنياء فإنه لا يجزئه، وإن كان قد اجتهد فالزكاة أولى.

                                                                                                                                                                                                                              فأما الصدقة على السارق والزانية فإن العلماء متفقون أنهما إذا كانا فقيرين فهما ممن تجوز له الزكاة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 301 ] وفيه: وجوب الاعتبار والمنافسة في الخير كما سلف، وزعم بعضهم أن هذا كان في صدقة التطوع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (تصدق) روي بضم التاء وفتحها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية