الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              وأما مقدار بقية الأركان مع القيام : فقد أخرجا في الصحيحين عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم " .

              [ ص: 94 ] وفي رواية عن شريك عنه : " وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتتن أمه " .

              وأخرجا فيهما من حديث عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها " ، وفي لفظ : " يوجز الصلاة ويتم " .

              وأخرجا أيضا عن أبي قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " رواه مسلم من حديث ثابت عن أنس رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة ، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة " .

              وروى مسلم أيضا عن أنس رضي الله عنه قال : " ما صليت خلف أحد أوجز صلاة ، ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت صلاته متقاربة ، وصلاة أبي بكر متقاربة ، فلما كان عمر رضي الله عنه مد في صلاة الصبح " وعن قتادة عن أنس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من [ ص: 95 ] أخف الناس صلاة في تمام " .

              فقول أنس رضي الله عنه : " ما صليت وراء إمام قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله " يريد أنه صلى الله عليه وسلم كان أخف الأئمة صلاة وأتم الأئمة صلاة ، وهذا لاعتدال صلاته وتناسبها كما في اللفظ الآخر : " وكانت صلاته معتدلة " وفي اللفظ الآخر : " كانت صلاته متقاربة " لتخفيف قيامها وقعودها ، وتكون أتم صلاة لإطالة ركوعها وسجودها ، ولو أراد أن يكون نفس الفعل الواحد كالقيام هو أخف وهو أتم لناقض ذلك ، ولهذا بين التخفيف الذي كان يفعله إذا بكى الصبي وهو قراءة سورة قصيرة ، وبين أن عمر بن الخطاب مد في صلاة الصبح ، وإنما مد في القراءة ، فإن عمر رضي الله عنه كان يقرأ في الفجر بسورة يونس ، وسورة هود ، وسورة يوسف .

              والذي يبين ذلك : ما رواه أبو داود في سننه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : سمع الله لمن حمده ، قام حتى نقول : قد أوهم ، ثم يكبر ويسجد ، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم " كما أخرجا في الصحيحين عن حماد بن زيد عن ثابت ، عن أنس قال : " إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا " قال ثابت : " فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل : قد نسي " وللبخاري من حديث شعبة عن ثابت قال : قال أنس رضي الله عنه [ ص: 96 ] ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وكان يصلي ، فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل : قد نسي " .

              فهذه أحاديث أنس الصحيحة تصرح أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يوجزها ويكملها ، والتي كانت أخف الصلاة وأتمها ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم فيها من الركوع حتى يقول القائل : إنه قد نسي ، ويقعد بين السجدتين حتى يقول القائل : قد نسي ، وإذا كان في هذا يفعل ذلك ، فمن المعلوم [ باتفاق ] المسلمين والسنة المتواترة أن الركوع والسجود لا ينقصان عن هذين الاعتدالين ، بل كثير من العلماء يقول : لا يشرع ولا يجوز أن يجعل هذين الاعتدالين بقدر الركوع والسجود ، بل ينقصان عن الركوع والسجود ، وفي الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم قال : " غلب على الكوفة رجل - قد سماه ، زمن ابن الأشعث ، وسماه غندر في رواية : مطر بن ناجية - فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصلي بالناس ، فكان يصلي ، فإذا رفع رأسه من الركوع قام قدر ما أقول : اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال الحكم : فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت البراء بن عازب يقول : " كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قيامه وركوعه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده ، وما بين السجدتين - قريبا من السواء " ، قال شعبة : فذكرته لعمرو بن مرة ، فقال : " قد رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى فلم تكن صلاته هكذا " ، ولفظ [ ص: 97 ] مطر عن شعبة : " كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود ، قريبا من السواء " وهو في الصحيح والسنن من حديث هلال بن أبي حميد ، عن ابن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب قال : " رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركوعه فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء " .

              ويشهد لهذا ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يرفع رأسه من الركوع : " سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .

              وقوله : " أحق ما قال العبد " هكذا هو في الحديث ، وهو خبر مبتدأ محذوف ، وأما ما ذكره بعض المصنفين من الفقهاء والصوفية من قوله : " حق ما قال العبد " فهو تحريف بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث والسنة ، ليس له أصل في الأثر ، ومعناه أيضا فاسد ، فإن [ ص: 98 ] العبد يقول الحق والباطل ، وأما الرب سبحانه وتعالى فهو يقول الحق ويهدي السبيل ، كما قال تعالى : ( فالحق والحق أقول ) .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية