الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2968 ) مسألة ; قال : ( ومن اشترى صبرة طعام ، لم يبعها حتى ينقلها ) [ ص: 97 ] هذه المسألة تدل على حكمين ; أحدهما ; إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي . ولا نعلم فيه خلافا . وقد نص عليه أحمد .

                                                                                                                                            ودل عليه قول ابن عمر : { كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه } . متفق عليه ، ولأنه معلوم بالرؤية ، فصح بيعه ، كالثياب والحيوان . ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة ، فإن ذلك يشق ; لكون الحب بعضه على بعض ، ولا يمكن بسطها حبة حبة ، ولأن الحب تتساوى أجزاؤه في الظاهر ، فاكتفي برؤية ظاهره ، بخلاف الثوب ، فإن نشره لا يشق ، ولم تختلف أجزاؤه ، ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة ; لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرق ، وهو الرؤية .

                                                                                                                                            وكذلك لو قال : بعتك نصف هذه الصبرة ، أو ثلثها ، أو جزءا منها معلوما . جاز ; لأن ما جاز بيع جملته ، جاز بيع بعضه ، كالحيوان . ولأن جملتها معلومة بالمشاهدة ، فكذلك جزؤها . قال ابن عقيل : ولا يصح هذا إلا أن تكون الصبرة متساوية الأجزاء ، فإن كانت مختلفة ، مثل صبرة بقال القرية ، لم يصح .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يصح ; لأنه يشتري منها جزءا مشاعا ، فيستحق من جيدها ورديئها بقسطه . ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافا . وقال مالك : لا يجوز في الأثمان لأن لها خطرا ولا يشق وزنها ولا عددها ، فأشبه الرقيق والثياب .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه معلوم بالمشاهدة ، فأشبه المثمنات والنقرة والحلي . ويبطل بذلك ما قاله . أما الرقيق ، فإنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم ولم يعدهم ، وكذلك الثياب إذا نشرها ورأى جميع أجزائها . الحكم الثاني ، أنه إذا اشترى الصبرة جزافا ، لم يجز له بيعها حتى ينقلها . نص عليه أحمد في رواية الأثرم ، وعنه رواية أخرى ، له بيعها قبل نقلها . اختارها القاضي . وهو مذهب مالك ; لأنه مبيع متعين لا يحتاج إلى حق توفية ، فأشبه الثوب الحاضر .

                                                                                                                                            ولنا ، قول ابن عمر { : إن كنا لنشتري الطعام من الركبان جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه . } وعموم قوله عليه السلام { : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه } مع ما ذكرنا من الأخبار ، وروى الأثرم بإسناده عن عبيد بن حنين ، قال { : قدم زيت من الشام ، فاشتريت منه أبعرة ، وفرغت من شرائها ، فقام إلي رجل فأربحني فيها ربحا ، فبسطت يدي لأبايعه ، فإذا رجل يأخذني من خلفي ، فنظرت فإذا زيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حتى تنقله إلى رحلك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك } .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذا فإن قبضها نقلها . كما جاء في الخبر ، ولأن القبض لو لم يعين في الشرع لوجب رده إلى العرف ، كما قلنا في الإحياء والإحراز ، والعادة في قبض الصبرة النقل ( 2969 ) فصل : ولا يحل لبائع الصبرة أن يغشها ; بأن يجعلها على دكة ، أو ربوة ، أو حجر ينقصها ، أو يجعل الرديء في باطنها أو المبلول ، ونحو ذلك ; لما روى أبو هريرة ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام ، فأدخل يده ، فنالت أصابعه بللا . فقال : يا صاحب الطعام ، ما هذا ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله . قال : أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟ ثم قال : من غشنا فليس منا } . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . فإذا وجد ذلك ، ولم يكن المشتري علم به ، فله الخيار بين الفسخ ، وأخذ تفاوت ما بينهما ; لأنه عيب .

                                                                                                                                            وإن بان تحتها حفرة أو بان باطنها خيرا من ظاهرها ، فلا خيار للمشتري ; لأنه زيادة له . وإن علم [ ص: 98 ] البائع ذلك ، فلا خيار له ; لأنه دخل على بصيرة به . وإن لم يكن علم ، فله الفسخ ، كما لو باع بعشرين درهما فوزنها بصنجة ثم وجد الصنجة زائدة ، كان له الرجوع . وكذلك لو باع بمكيال ، ثم وجده زائدا . ويحتمل أنه لا خيار له ; لأن الظاهر أنه باع ما يعلم ، فلا يثبت له الفسخ بالاحتمال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية