الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2971 ) فصل : وإن أخبره البائع بكيله ، ثم باعه بذلك الكيل ، فالبيع صحيح . فإن قبضه باكتياله ، تم البيع والقبض ، وإن قبضه بغير كيل ، كان بمنزلة قبضه جزافا . فإن كان المبيع باقيا ، كاله عليه ، فإن كان قدر حقه الذي أخبره به ، فقد استوفاه ، وإن كان زائدا رد الفضل ، وإن كان ناقصا أخذ النقص ، وإن كان قد تلف فالقول قول القابض في قدره مع يمينه ، سواء كان النقص قليلا أو كثيرا ; لأن الأصل عدم القبض ، وبقاء الحق ، وليس للمشتري التصرف في الجميع قبل كيله ; لأن للبائع فيه علقة ، فإنه لو زاد كانت الزيادة له ، ولا يتصرف في أقل من حقه ، بغير كيل لأن ذلك يمنعه من معرفة كيله .

                                                                                                                                            وإن تصرف فيما يتحقق أنه مستحق له ، مثل أن يكون حقه قفيزا ، فتصرف في ذلك ، أو في أقل منه ، بالكيل ، ففيه وجهان ; أحدهما له ذلك ; لأنه تصرف [ ص: 99 ] في حقه بعد قبضه ، فجاز ، كما لو كيل له . والثاني ، لا يجوز ; لأنه لا يجوز له التصرف في الجميع فلم يجز له التصرف في البعض ، كما قبل القبض . وإن قبضه بالوزن ، فهو كما لو قبضه جزافا . فأما إن أعلمه بكيله ، ثم باعه إياه مجازفة ، على أنه له بذلك الثمن ، سواء كان زائدا أو ناقصا ، لم يجز ; لما روى الأثرم بإسناده ، عن الحكم ، قال { : قدم طعام لعثمان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اذهبوا بنا إلى عثمان ، نعينه على طعامه . فقام إلى جنبه فقال عثمان : في هذه الغرارة كذا وكذا ، وابتعتها بكذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سميت الكيل فكل } .

                                                                                                                                            قال أحمد : إذا أخبره البائع أن في كل قارورة منا ، فأخذ بذلك ، ولا يكتاله ، فلا يعجبني ; لقوله لعثمان : " إذا سميت الكيل فكل " قيل له : إنهم يقولون : إذا فتح فسد . قال : فلم لا تفتحون واحدا وتزنون الباقي ؟ ( 2972 ) فصل : ولو كال طعاما ، وآخر ينظر إليه ، فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيل ثان ؟ على روايتين ، نص عليهما . إحداهما ، لا يحتاج إلى كيل ; لأنه شاهد كيله ، فأشبه ما لو كيل له . والثانية ، يحتاج إلى كيل ; لأنه بيع ، فاحتاج إلى كيل ; للأخبار ، والقياس على البيع الأول . ولو كاله البائع للمشتري ، ثم اشتراه منه ، فكذلك ; لما ذكرنا في التي قبلها .

                                                                                                                                            ولو اشترى اثنان طعاما ، فاكتالاه ، ثم ابتاع أحدهما حصة شريكه قبل تفرقهما ، فقال أحمد ، في رواية حرب : إذا اشتريا غلة أو نحوها ، وحضراها جميعا ، وعرفا كيلها ، فقال أحدهما لشريكه : بعني نصيبك ، وأربحك ، فهو جائز . وإن لم يحضر هذا المشتري الكيل ، فلا يجوز إلا بكيل . قال ابن أبي موسى : وفيه رواية أخرى ، لا بد من كيله . ووجهها ما تقدم . قال القاضي : ومعنى الكيل في هذه المسائل ، أنه يرجع في قدره إلى قول القابض ، إذا كان النقص يسيرا يقع مثله في الكيل ، فالقول قوله مع يمينه ، وإن كان لا يقع مثله في الكيل لم يقبل قوله ; لأنا نتحقق كذبه ، بخلاف مسائل الفصل الذي قبله ; لأنه لم يكل بحضرته . والظاهر . أنه أراد بالكيل حقيقته دون ما ذكره القاضي . وفائدة اعتبار الكيل ، ما ذكره القاضي ، وأنه لا يجوز للمشتري التصرف فيه ، إلا ما ذكرنا في الفصل الذي قبله .

                                                                                                                                            وإن باعه للثاني في هذه المواضع على أنه صبرة ، جاز ، ولم يفتقر إلى كيل ثان ، والقبض فيه بنقله ، كسائر الصبر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية