الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              [ ص: 274 ] قوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله فصل: في فضائل لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                              وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها، فلنذكر بعض ما ورد فيها:

                                                                                                                                                                                              1 - فهي كلمة التقوى كما قال عمر - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة .

                                                                                                                                                                                              2 - وهي كلمة الإخلاص .

                                                                                                                                                                                              3 - وشهادة الحق .

                                                                                                                                                                                              4 - ودعوة الحق .

                                                                                                                                                                                              5 - وبراءة من الشرك، ونجاة هذا الأمر .

                                                                                                                                                                                              6 - ولأجلها خلق الخلق . كما قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

                                                                                                                                                                                              7 - ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال تعالى: ينـزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ونحو هذه الآيات .

                                                                                                                                                                                              وهذه الآية أول ما عدد الله من النعم في سورة النحل التي تسمى سورة النعم . ولهذا قال ابن عيينة : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم "لا إله إلا الله " .

                                                                                                                                                                                              وأن "لا إله إلا الله " لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا .

                                                                                                                                                                                              [ ص: 275 ] 8 - ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب .

                                                                                                                                                                                              9 - ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر .

                                                                                                                                                                                              10 - وهي مفتاح الجنة .

                                                                                                                                                                                              11 - ومفتاح دعوة الرسل .

                                                                                                                                                                                              12- وبها كلم الله موسى كفاحا .

                                                                                                                                                                                              وفي "مسند البزار " وغيره عن عياض الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة ولها من الله مكان وهي كلمة من قالها صادقا أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذبا حقنت دمه، وأحرزت ماله، ولقي الله غدا فحاسبه " .

                                                                                                                                                                                              وهي مفتاح الجنة كما تقدم .

                                                                                                                                                                                              13 - وهي: ثمن الجنة: قاله الحسن، وجاء مرفوعا من وجوه ضعيفة: "ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة" .

                                                                                                                                                                                              14 - وهي: نجاة من النار: وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرج من النار" . خرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                              [ ص: 276 ] 15 - وهي: توجب المغفرة:

                                                                                                                                                                                              في "المسند" عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوما: "ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله " . فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، ثم قال: "الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني بها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد"، ثم قال: "أبشروا فإن الله قد غفر لكم " .

                                                                                                                                                                                              16 - وهي: أحسن الحسنات: قال أبو ذر : قلت يا رسول الله: كلمني بعمل يقربني من الجنة، ويباعدني من النار، قال: "إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها . قلت: يا رسول الله، "لا إله إلا الله " من الحسنات؟ قال: "هي أحسن الحسنات " .

                                                                                                                                                                                              17 - وهي: تمحو الذنوب والخطايا: وفي "سنن ابن ماجه " عن أم هانئ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا إله إلا الله لا تترك ذنبا، ولا يسبقها عمل " . رئي بعض السلف بعد موته في المنام فسئل عن حاله، فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئا .

                                                                                                                                                                                              18- وهي: تجدد ما درس من الإيمان في القلب:

                                                                                                                                                                                              وفي "المسند" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "جددوا إيمانكم " . قالوا: كيف [ ص: 277 ] نجدد إيماننا؟ قال: "قولوا: لا إله إلا الله، وهي لا يعدلها شيء في الوزن، فلو وزنت بالسماوات والأرض رجحت بهن " .

                                                                                                                                                                                              كما في "المسند" عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن نوحا قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله " . وفيه أيضا عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن موسى - عليه السلام - قال: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله . قال: يا رب: كل عبادك يقولون هذا . قال: قل: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا أنت يا رب . إنما أريد شيئا تخصني به . قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله " . وكذلك ترجح بصحائف الذنوب، كما في حديث السجلات والبطاقة . وقد خرجه أحمد والنسائي والترمذي أيضا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                              19 - وهي: التي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل: وفي الترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا إله إلا الله [ ص: 278 ] ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه " .

                                                                                                                                                                                              وفيه أيضا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما قال عبد: لا إله إلا الله مخلصا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر" .

                                                                                                                                                                                              ويروى عن ابن عباس مرفوعا: " ما من شيء إلا بينه وبين الله حجاب، إلا قول: لا إله إلا الله كما أن شفتيك لا تحجبهما كذلك لا يحجبها شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل " .

                                                                                                                                                                                              وقال أبو أمامة : ما من عبد يهلل تهليلة فينهنهها شيء دون العرش .

                                                                                                                                                                                              20 - وهي التي ينظر الله إلى قائلها، ويجيب دعاه: خرج النسائي في كتاب "اليوم والليلة" من حديث رجلين من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مخلصا بها روحه مصدقا بها لسانه، إلا فتق له السماء فتقا، حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر إليه أن يعطيه سؤله " .

                                                                                                                                                                                              21 - وهي: الكلمة التي يصدق الله قائلها:

                                                                                                                                                                                              كما أخرج النسائي والترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، صدقه ربه . وقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر . وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، يقول الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي . وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، قال الله: لا إله إلا أنا، لي الملك، ولي الحمد . وإذا قال: لا إله إلا الله، ولا حول [ ص: 279 ] ولا قوة إلا بالله، قال الله: لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي " . وكان يقول: "من قالها - في مرضه ثم مات لم تطعمه النار" .

                                                                                                                                                                                              22 - وهي: أفضل ما قاله النبيون: كما ورد ذلك في دعاء يوم عرفة .

                                                                                                                                                                                              23 - وهي: أفضل الذكر:

                                                                                                                                                                                              كما في حديث جابر المرفوع: "أفضل الذكر لا إله إلا الله " . وعن ابن عباس : أحب كلمة إلى الله لا إله إلا الله، لا يقبل الله عملا إلا بها .

                                                                                                                                                                                              24 - وهي: أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزا من الشيطان:

                                                                                                                                                                                              وكما في "الصحيحين " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك " .

                                                                                                                                                                                              وفيهما أيضا عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل " . [ ص: 280 ] وفي الترمذي عن ابن عمر مرفوعا: "من قالها إذا دخل السوق، وزاد فيها: يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا الله عنه ألف ألف سيئة، ورفع الله له ألف ألف درجة" . وفي رواية: "ويبنى له بيت في الجنة" .

                                                                                                                                                                                              25 - ومن فضائلها: أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر:

                                                                                                                                                                                              كما في "المسند" وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " .

                                                                                                                                                                                              وفي حديث مرسل: "من قال: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، كل يوم مائة مرة كانت له أمانا من الفقر، وأنسا من وحشة القبر، واستجلبت له الغنى، واستقرعت له باب الجنة" .

                                                                                                                                                                                              26 - وهي: شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم:

                                                                                                                                                                                              قال النضر بن عربي: بلغني أن الناس إذا قاموا من قبورهم كان شعارهم: لا إله إلا الله . وقد خرج الطبراني حديثا مرفوعا: "إن شعار هذه الأمة على الصراط: لا إله إلا أنت " .

                                                                                                                                                                                              [ ص: 281 ] 27 - ومن فضائلها: أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء كما في حديث عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن أتى بالشهادتين بعد الوضوء، وقد خرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                              وفي "الصحيحين " عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء" .

                                                                                                                                                                                              وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة منامه الطويل، وفيه قال: "ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فأغلقت الأبواب دونه . فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، فتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة" .

                                                                                                                                                                                              28 - ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار وبتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها .

                                                                                                                                                                                              وفي "الصحيحين " عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله " . وأخرج الطبراني عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن ناسا من أهل لا إله إلا الله [ ص: 282 ] يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم عبدة اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول: لا إله إلا الله، فيغضب الله لهم فيخرجهم من النار، فيدخلون الجنة" .

                                                                                                                                                                                              ومن كان في سخطه يحسن . . . فكيف يكون إذا ما رضي؟

                                                                                                                                                                                              لا يسوي بين من وحده وإن قصر في حقوق توحيده، وبين من أشرك به .

                                                                                                                                                                                              قال بعض السلف: كان إبراهيم - عليه السلام - يقول: اللهم لا تشرك من كان يشرك بك شيئا بمن كان لا يشرك بك .

                                                                                                                                                                                              كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار: إنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة .

                                                                                                                                                                                              كان أبو سليمان يقول: إن طالبني ببخلي طالبته بجوده، وإن طالبني بذنوبي طالبته بعفوه، وإن أدخلني النار أخبرت أهل النار أني أحبه .


                                                                                                                                                                                              ما أطيب وصله وما أعذبه! وما أثقل هجره وما أصعبه!     وفي السخط والرضى ما أهيبه!
                                                                                                                                                                                              القلب يحب وإن عذبه



                                                                                                                                                                                              وكان بعض العارفين يبكي طول ليله ويقول: إن تعذبني فإني لك محب، وإن ترحمني فإني لك محب .

                                                                                                                                                                                              العارفون يخافون من الحجاب أكثر مما يخافون من العذاب .

                                                                                                                                                                                              قال ذو النون: خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي .

                                                                                                                                                                                              كان بعضهم يقول: إلهي وسيدي ومولاي! لو أنك عذبتني بعذابك كله . كان ما فاتني من قربك أعظم عندي من العذاب . [ ص: 283 ] قيل لبعضهم: لو طردك ما كنت تفعل . قال:


                                                                                                                                                                                              إذا أنا لم أجد من الحب وصلا .     رمت في النار منزلا ومقيلا
                                                                                                                                                                                              ثم أزعجت أهلها بندائي .     بكرة في عرصاتها وأصيل
                                                                                                                                                                                              معشر المشركين ناحوا على من .     يدعي أنه يحب الجليلا
                                                                                                                                                                                              لم يكن في الذي ادعاه محقا .     فجزاه به العذاب الطويلا!



                                                                                                                                                                                              إخواني! اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد، فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه .

                                                                                                                                                                                              ما نطق الناطقون إذ نطقوا أحسن من: لا إله إلا هو .


                                                                                                                                                                                              تبارك الله ذو الجلال ومن .     أشهد أن لا إله إلا هو
                                                                                                                                                                                              من لذنوبي ومن يمحصها .     غيرك يا من لا إله إلا هو
                                                                                                                                                                                              جنان خلد لمن يوحده .     أشهد أن لا إله إلا هو
                                                                                                                                                                                              نيرانه لا تحرق من .     يشهد أن لا إله إلا هو
                                                                                                                                                                                              أقولها مخلصا بلا بخل .     أشهد أن لا إله إلا هو



                                                                                                                                                                                              والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية