الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الرجل يقول لامرأته لست لي بامرأة أو ما أنت لي بامرأة ، أيكون هذا طلاقا في قول مالك أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : لا يكون هذا طلاقا إلا أن يكون نوى به الطلاق .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قال له رجل لك امرأة فقال ليس لي امرأة ينوي بذلك الطلاق أو لا ينوي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إن نوى بذلك الطلاق فهي طالق ، وإن [ ص: 293 ] لم ينو بذلك الطلاق فليست بطالق .

                                                                                                                                                                                      قلت : وكذلك لو قال لامرأته لم أتزوجك ؟ قال : لا شيء عليه إن لم يرد بذلك الطلاق .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قال لامرأته لا نكاح بيني وبينك أو لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا شيء عليه إذا كان الكلام عتابا إلا أن يكون نوى بقوله هذا الطلاق ، قال : وأخبرني ابن وهب عن يونس بن يزيد أنه سأل ابن شهاب عن رجل قال لامرأته أنت سائبة أو مني عتيقة ، أو قال ليس بيني وبينك حلال ولا حرام ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أما قوله أنت سائبة أو عتيقة ، فإني أرى أن يحلف على ذلك ما أراد طلاقا ، فإن حلف وكل إلى الله ودين ذلك وإن أبى أن يحلف وزعم أنه أراد بذلك الطلاق وقف الطلاق عندما أراد واستحلف على ما أراد من ذلك وأما قوله ليس بيني وبينك حلال ولا حرام فنوى - فيه نحو ذلك والله أعلم ، ونرى أن ينكل من قال مثل هذا بعقوبة موجعة فإنه لبس على نفسه وعلى حكام المسلمين . مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الخلية والبرية هي البتة . وقال علي بن أبي طالب وربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز بذلك ، وأن عمر بن عبد العزيز قضى بذلك في الخلية .

                                                                                                                                                                                      وقال ابن شهاب مثل ذلك في البرية وأنها بمنزلة البتة ثلاث تطليقات وقال ربيعة في البرية إنها البتة إن كان دخل بها وإن كان لم يدخل بها فهي واحدة ، قال والخلية والبائنة بمنزلة البرية ، قال : وحدثني عبد الله بن عمر عمن حدثه عن الحسن البصري أنه قال : قضى علي بن أبي طالب في البائنة أنها البتة .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب حدثني عياض بن عبد الله الفهري عن أبي الزناد أنه قال في الموهوبة هي البتات . الليث عن يحيى بن سعيد مثله . ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه قال إذا وهبت المرأة لأهلها فهي ثلاث قبلوها أو ردوها إلى زوجها ، وقال مالك : قد وهبتك إلى أهلك وقد رددتك إلى أهلك سواء ثلاث ألبتة التي دخل بها وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة إذا قال قد وهبتك لأبيك فقد بتها وذهب ما كان يملك منها ، ووهبتك لأهلك ورددتك إلى أهلك وأمك فهذا كله شيء واحد فيصير إلى البتة .

                                                                                                                                                                                      مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عبدا كانت تحته أمة فكلمه أهلها فيها فقال شأنكم بها ، فقال القاسم : فرأى الناس ذلك طلاقا وقال مالك في الذي يقول لامرأته قد خليت سبيلك هو مثل الذي يقول قد فارقتك ، قال : وأخبرني ابن وهب عن يونس أنه سأل ربيعة عن قول الرجل لامرأته لا تحلين لي ، قال ربيعة يدين ; لأنه إن شاء قال : أردت التظاهر أو اليمين ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن جريج عن عطاء قال : إذا قال الرجل لامرأته اعتدي فهي واحدة قال وأخبرني ابن وهب عن رجال من أهل [ ص: 294 ] العلم عن طاوس وابن شهاب وغيرهما مثله وقال ابن شهاب هي واحدة أو ما نوى . ابن وهب عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال : إني قلت لامرأتي : أنت طالق ، ولم أدر ما أردت ، قال سعيد بن المسيب لكني أدري ما أردت هي واحدة ، وقاله يحيى بن سعيد ، ابن وهب وأخبرني الليث عن ابن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب أنه قال : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ولم يسم كم الطلاق فهي واحدة إلا أن يكون نوى أكثر من ذلك فهي على ما نوى .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب قال يونس وربيعة عن قول الرجل لامرأته لا سبيل لي عليك ، قال : يدين بذلك ، وقال عطاء بن أبي رباح في رجل قيل له هل لك من امرأة ، فقال والله ما لي من امرأة ، فقال : هي كذبة ، وقال عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وابن شهاب وغيرهم من أهل العلم ابن وهب عن الحارث بن شهاب عن منصور عن إبراهيم أنه قال ما عنى به الطلاق من الكلام أو سماه فهو طلاق سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال : كل شيء أريد به الطلاق فهو طلاق . ابن وهب أنه سأل ابن شهاب عن قول الرجل لامرأته أنت السراح فهي تطليقة إلا أن يكون أراد بذلك بت الطلاق ابن وهب عن مسلمة بن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال : من بت امرأته فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره } قال الزبيدي : قال ابن عمر والخلفاء مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن ابن لهيعة والليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك أن عمر بن الخطاب فرق بين رجل وامرأته ، قال لها أنت طالق ألبتة ، وأخبرني ابن يحيى الخزاعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطاب قال لشريح : يا شريح إذا قال لها ألبتة فقد رمى الغرض الأقصى .

                                                                                                                                                                                      مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز قال له : لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا ، من قال ألبتة فقد رمى الغاية القصوى رجال من أهل العلم عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس والقاسم بن محمد وابن شهاب وربيعة ومكحول أنهم كانوا يقولون من قال لامرأته أنت طالق ألبتة فقد بانت منه وهي بمنزلة الثلاث ، وقال ربيعة وقد خالف السنة وذهبت منه امرأته ابن وهب عن حرملة بن عمران أن كعب بن علقمة حدثه أن علي بن أبي طالب كان يعاقب الذي يطلق امرأته ألبتة

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية