الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الرهن برأس مال السلم فإن هلك الرهن في المجلس ، وقيمته مثل رأس المال أو أكثر فقد تم العقد بينهما ; لأنه حصل مستوفيا لرأس المال ; لأن قبض الرهن قبض استيفاء ; لأنه قبض مضمون ، وقد تقرر الضمان بالهلاك وعلى الراهن مثله من جنسه في المالية فيتقاصان فحصل الافتراق عن قبض رأس المال فتم عقد السلم ، وإن كانت قيمته أقل من رأس المال تم العقد بقدره ويبطل في الباقي ; لأنه استوفى من رأس المال بقدره ، وإن لم يهلك الرهن حتى افترقا بطل السلم لحصول الافتراق لا عن قبض رأس المال ، وعليه رد الرهن على صاحبه ، وكذا هذا الحكم في بدل الصرف إذا أخذ به رهنا أنه إن هلك الرهن قبل افتراق العاقدين بأبدانهما تم عقد الصرف ; لأنه بالهلاك صار مستوفيا ، وإن لم يهلك حتى افترقا بطل الصرف لفوات شرط الصحة وهو القبض كما في السلم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                وعلى هذا يخرج ما إذا كان رأس المال دينا على المسلم إليه أو على غيره فأسلمه : أنه لا يجوز ; لأن القبض شرط ولم يوجد حقيقة فيكون افتراقا عن دين بدين وإنه منهي .

                                                                                                                                فإن نقده في المجلس جاز إن كان الدين على المسلم إليه ، ولأن المانع ههنا ليس إلا انعدام القبض حقيقة ، وقد زال ، وإن كان على غيره لا يجوز ، وإن نقده في المجلس لكن هناك مانع آخر وهو العجز عن التسليم ; لأن ما في ذمة الغير لا يكون مقدور التسليم ، والقدرة على التسليم عند العقد من شرائط الصحة على ما مر ، وهذا المانع منعدم في الفصل الأول ; لأن ذمة المسلم إليه في يده فكان قادرا على التسليم عند العقد .

                                                                                                                                وإنما لم يجز لعدم القبض وإذا وجد جاز ، ولو أسلم دينا وعينا وافترقا جاز في حصة العين وبطل في حصة الدين ; لأن الأصل أن الفساد بقدر المفسد .

                                                                                                                                والمفسد عدم القبض وإنه يخص الدين فيفسد السلم بقدره كما لو اشترى عبدين ولم يقبضهما حتى هلك أحدهما قبل القبض أنه يبطل العقد في الهالك ويبقى في الآخر لما قلنا كذا هذا ، وعلى هذا يخرج ما إذا قبض رأس المال ثم انتقص القبض فيه بمعنى أوجب انتقاصه أنه يبطل السلم .

                                                                                                                                وبيان ذلك أن جملة رأس المال لا تخلو إما أن تكون عينا وهو ما يتعين بالتعيين ، وإما أن تكون دينا وهو ما لا يتعين بالتعيين ، والعين لا تخلو إما أن توجد مستحقا أو معيبا ، والدين لا يخلو إما أن يوجد مستحقا أو زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا ، وكل ذلك لا يخلو إما أن يكون قبل الافتراق أو بعده ، وجد كله كذلك أو بعضه دون بعض ، وكذلك أحد المتصارفين إذا وجد بدل الصرف كذلك فهو على التفاصيل التي ذكرنا ، فإن كان رأس المال عينا فوجده المسلم إليه مستحقا أو معيبا .

                                                                                                                                فإن لم يجز المستحق ولم يرض المسلم إليه بالعيب يبطل السلم ، سواء كان بعد الافتراق أو قبله ; لأنه انتقض القبض فيه بالاستحقاق ، والرد بالعيب ، ولا يمكن إقامة غيره مقامه في القبض ; لأنه معين فيحصل الافتراق لا عن قبض رأس المال في المجلس فيبطل السلم .

                                                                                                                                وإن أجاز المستحق ورضي المسلم إليه بالعيب جاز السلم ، سواء كان قبل الافتراق أو بعده ; لأنه تبين أن قبضه وقع صحيحا فحصل الافتراق عن قبض رأس المال أولا ، ولا سبيل للمستحق على المقبوض ; لأنه لما أجاز فقد صار المقبوض ملكا للمسلم إليه ، وله أن يرجع على الناقد بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن لم يكن مثليا ; لأنه أتلف عليه ماله بالتسليم ، وكذا في الصرف ، غير أن هناك إذا كان البدل المستحق أو المعيب عينا كالتبر ، والمصوغ من الفضة ولم يجز المستحق ، ولا رضي القابض بالمعيب حتى بطل الصرف يرجع على قابض الدينار بعين الدينار إن كان قائما وبمثله إن كان هالكا ، ولا خيار لقابض الدينار في ظاهر الرواية كما في بيع العين إذا استحق المبيع وأخذه المستحق .

                                                                                                                                ولو كان قابض الدينار تصرف فيه وأخرجه من ملكه لا يفسخ عليه تصرفه ، وعليه مثله كما في المقبوض بعقد فاسد .

                                                                                                                                هذا إذا كان رأس المال عينا فأما إذا كان دينا ، فإن وجده مستحقا وأجاز المستحق فالسلم ماض ، سواء كان قبل الافتراق أو بعده ; لأنه ظهر أن القبض كان صحيحا ، ولا [ ص: 205 ] سبيل للمشتري على المقبوض ويرجع على الناقد بمثله ; لأنه أتلفه بالتسليم وهو مثلي فيرجع عليه بمثله ، وإن لم يجز فإن كان قبل الافتراق واستبدل في المجلس فالسلم ماض ; لأن رأس المال إذا كان دينا كان الواجب في ذمة رب السلم مثل المستحق لا عينه ، فقبض المستحق إن لم يصح أو انتقض بالاستحقاق وعدم الإجازة ، يقوم قبض مثله مقامه فيرجع عليه بمثله ويلحق ذلك الذي كان بالعدم كأنه لم يقبض وأخر القبض فيه إلى آخر المجلس ، بخلاف ما إذا كان عينا ; لأن المستحق هناك قبض العين .

                                                                                                                                وقد انتقض القبض فيه بالاستحقاق وتعذر إقامة قبض غيره مقامه فجعل الافتراق لا عن قبض فيبطل العقد ، وإن كان بعد الافتراق يبطل السلم ; لأنه تبين أن الافتراق حصل لا عن قبض رأس المال .

                                                                                                                                هذا إذا وجده مستحقا ، فأما إذا وجده زيوفا أو نبهرجة ، فإن تجوز المسلم إليه فالسلم ماض على الصحة ، سواء وجده قبل الافتراق أو بعده ; لأن الزيوف من جنس حقه ; لأنها دراهم لكنها معيبة بالزيافة وفوات صفة الجودة ، فإذا تجوز به فقد أبرأه عن العيب ورضي بقبض حقه مع النقصان ، بخلاف الستوق فإنه لا يجوز وإن تجوز به ; لأنه ليس من جنس الدراهم على ما نذكره ، وإن لم يتجوز به ورده ، فإن كان قبل الافتراق واستبدله في المجلس ، فالعقد ماض وجعل كأنه أخر القبض إلى آخر المجلس ، وإن كان بعد الافتراق بطل السلم عند أبي حنيفة وزفر ، سواء استبدل في مجلس الرد أو لا ، وعند أبي يوسف ومحمد إن لم يستبدل في مجلس الرد فكذلك ، وإن استبدل لا يبطل السلم .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أن قبض الزيوف وقع صحيحا ; لأنه قبض جنس الحق ، ألا يرى أنه لو تجوز بها جاز ولو لم يكن من جنس حقه لما جاز كالستوق ، إلا أنه فاتته صفة الجودة بالزيافة فكانت من جنس حقه أصلا لا وصفا فكانت الزيافة فيها عيبا ، والمعيب لا يمنع صحة القبض كما في بيع العين إذا كان المبيع معيبا وبالرد ينتقض القبض لكن مقصورا على حالة الرد ولا يستند الانتقاض إلى وقت القبض فيبقى القبض صحيحا ، كان ينبغي أن لا يشترط قبض بدله في مجلس الرد ; لأن المستحق بعقد السلم القبض مرة واحدة ، إلا أنه شرط ; لأن للرد شبها بالعقد حيث لا يجب القبض في مجلس الرد ، إلا بالرد كما لا يجب القبض في مجلس العقد ، إلا بالعقد فألحق مجلس الرد بمجلس العقد .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله أن الزيوف من جنس حق المسلم إليه لكن أصلا لا وصفا ، ولهذا ثبت له حق الرد بفوات حقه عن الوصف فكان حقه في الأصل والوصف جميعا فصار بقبض الزيوف قابضا حقه من حيث الأصل لا من حيث الوصف ، إلا أنه إذا رضي به فقد أسقط حقه عن الوصف وتبين أن المستحق هو قبض الأصل دون الوصف لإبرائه إياه عن الوصف ، فإذا قبضه فقد قبض حقه فيبطل المستحق ، وإن لم يرض به تبين أنه لم يقبض حقه ; لأن حقه في الأصل والوصف جميعا فتبين أن الافتراق حصل لا عن قبض رأس مال السلم .

                                                                                                                                هذا إذا وجده زيوفا أو نبهرجة ، فأما إذا وجده ستوقا أو رصاصا ، فإن وجده بعد الافتراق بطل السلم ; لأن الستوق ليس من جنس الدراهم ، ألا يرى أنها لا تروج في معاملات الناس فلم تكن من جنس حقه أصلا ووصفا فكان الافتراق عن المجلس لا عن قبض رأس المال فيبطل السلم ، وسواء تجوز به أو لا ; لأنه إذا لم يكن من جنس حقه كان التجوز به استبدالا برأس مال السلم قبل القبض وإنه لا يجوز ، بخلاف الزيوف فإنها من جنس حقه على ما بينا ، وإن وجده في المجلس فاستبدل فالسلم ماض ; لأن قبضه .

                                                                                                                                وإن لم يصح فقد بقي الواجب في ذمة رب السلم دراهم هي حق المسلم إليه ، فإذا قبضها فقد قبض حقه في المجلس ، والتحق قبض الستوق بالعدم كأنه لم يقبض أصلا وأخر قبض رأس المال إلى آخر المجلس ، وكذا في الصرف غير أن هناك إذا ظهر أن الدراهم ستوقة أو رصاص بعد الافتراق عن المجلس حتى بطل الصرف فقابض الدينار يسترد دراهمه الستوقة وقابض الدراهم يسترد من قابض الدينار عين ديناره إن كان قائما ومثله إن كان هالكا ، ولا خيار لقابض الدينار كذا ذكر محمد في الأصل ; لأنه إذا ظهر أن المقبوض ستوقة أو رصاص فقد ظهر أن قبضه لم يصح فتبين أن الافتراق حصل لا عن قبض فيبطل السلم وبقي الدينار في يده من غير سبب شرعي فأشبه يد الغصب واستحقاق المبيع في بيع العين ، وهناك يسترد عينه إن كان قائما كذا ههنا وطعن عيسى بن أبان

                                                                                                                                وقال : ينبغي أن يكون قابض الدينار بالخيار ، إن شاء رد عين الدينار .

                                                                                                                                وإن شاء [ ص: 206 ] رد مثله ولا يستحق عليه رد عين الدينار ، وإن كان قائما ; لأنه لم يكن متعينا في العقد ، فلا يكون متعينا في الفسخ ، والاعتبار باستحقاق المبيع غير سديد ; لأن هناك ظهر بطلان العقد من الأصل ; لأنه إذا لم يجز المستحق تبين أن العقد وقع باطلا من حين وجوده وهناك العقد وقع صحيحا وإنما بطل في المستقبل لعارض طرأ عليه بعد الصحة فلا يظهر بطلانه من الأصل ، وبعض مشايخنا أخذوا بقول عيسى ونصروه وحملوا جواب الكتاب على ما إذا اختار قابض الدينار رد عين الدينار ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                هذا الذي ذكرنا إذا وجد المسلم إليه كان رأس المال مستحقا أو معيبا أو زيوفا أو ستوقا ، فأما إذا وجد بعضه دون بعض ففي الاستحقاق إذا لم يجز المستحق ينقص العقد بقدر المستحق ، سواء كان رأس المال عينا أو دينا بلا خلاف ; لأن القبض انتقص فيه بقدره ، وكذا في الستوق ، والرصاص فبطل العقد بقدره قليلا كان أو كثيرا بالإجماع لما قلنا ، وكذا هذا في الصرف غير أن هناك قابض الستوقة يصير شريكا لقابض الدينار في الدينار الذي دفعه بدلا عن الدراهم فيرجع عليه بعينه وعلى قول عيسى : قابض الدينار بالخيار على ما ذكرنا .

                                                                                                                                وأما في الزيوف ، والنبهرجة فقياس قول أبي حنيفة رحمه الله أن ينقص العقد بقدره إذا لم يتجوز ، ورده - استبدل في مجلس الرد أو لا - وهو قول زفر ; لأنه تبين أن قبض المردود لم يصح فتبين أن الافتراق حصل لا عن قبض رأس المال في قدر المردود فيبطل السلم بقدره ، إلا أنه استحسن في القليل ، وقال : إن كان قليلا فرده واستبدل في ذلك المجلس فالعقد ماض في الكل ، وإن كان كثيرا يبطل العقد بقدر المردود ; لأن الزيافة في القليل مما لا يمكن التحرز عنه ; لأن الدراهم لا تخلو عن ذلك فكانت ملحقة بالعدم ، بخلاف الكثير واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في الحد الفاصل بين القليل والكثير مع اتفاق الروايات على أن الثلث قليل وفي رواية عنه أن ما زاد على الثلث يكون كثيرا ، وفي رواية النصف ، وفي رواية عنه الزائد على النصف ، وكذا هذا في الصرف غير أن هناك إذا كثرت الزيوف فرد حتى بطل العقد في قدر المردود عند أبي حنيفة يصير شريكا لقابض الدينار فيسترد منه عينه .

                                                                                                                                وعلى قول عيسى : قابض الدينار بالخيار على ما بينا ولو كان تصرف فيه أو أخرجه عن ملكه لا يفسخ عليه تصرفه وعليه مثله كما في البيع الفاسد على ما مر ، وكل جواب عرفته في السلم والصرف فهو الجواب في عقد تتعلق صحته بالقبض قبل الافتراق مما سوى الصرف والسلم كمن كان له على آخر دنانير فصالح منها على دراهم ، أو كان له على آخر مكيل ، أو موزون موصوف في الذمة ، أو غيرهما مما يثبت مثله في الذمة دينا فصالح منها على دراهم ، أو نحو ذلك من العقود مما يكون قبض الدراهم فيه قبل الافتراق عن المجلس شرطا لصحة العقد ، فقبض الدراهم ، ثم وجدها مستحقة ، أو زيوفا ، أو نبهرجة ، أو ستوقة ، أو رصاصا كلها ، أو بعضها قبل الافتراق ، أو بعده ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                وعلى هذا تخرج مقاصة رأس مال السلم بدين آخر على المسلم إليه بأن وجب على المسلم إليه دين مثل رأس المال أنه هل يصير رأس المال قصاصا بذلك الدين أم لا ؟ فهذا لا يخلو إما إن وجب دين آخر بالعقد .

                                                                                                                                وإما إن وجب بعقد متقدم على عقد السلم ، وإما إن وجب بعقد متأخر عنه ، فإن وجب بعقد متقدم على السلم بأن كان رب السلم باع المسلم إليه ثوبا بعشرة دراهم ولم يقبض العشرة حتى أسلم إليه عشرة دراهم في كر حنطة ، فإن جعلا الدينين قصاصا ، أو تراضيا بالمقاصة يصير قصاصا ، وإن أبى أحدهما لا يصير قصاصا وهذا استحسان ، والقياس أن لا يصير قصاصا كيف ما كان ، وهو قول زفر .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله : أن قبض رأس المال شرط ، والحاصل بالمقاصة ليس بقبض حقيقة فكان الافتراق حاصلا لا عن قبض رأس المال فبطل السلم .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن العقد ينعقد موجبا للقبض حقيقة لولا المقاصة ، فإذا تقاصا تبين أن العقد انعقد موجبا قبضا بطريق المقاصة ، وقد وجد .

                                                                                                                                ونظيره ما قلنا في الزيادة في الثمن والمثمن أنها جائزة استحسانا وتلتحق بأصل العقد ; لأن بالزيادة تبين أن العقد وقع على المزيد عليه وعلى الزيادة جميعا كذا هذا ، وإن وجب بعقد متأخر عن السلم لا يصير قصاصا وإن جعلاه قصاصا ، إلا رواية عن أبي يوسف شاذة ; لأن بالمقاصة لا يتبين أن العقد وقع موجبا قبضا بطريق المقاصة من حين وجوده ; لأن المقاصة تستدعي قيام دينين ولم يكن عند عقد السلم ، إلا دين واحد فانعقد موجبا حقيقة القبض وإنه لا يحصل بالمقاصة .

                                                                                                                                هذا إذا وجب الدين بالعقد ، فأما إذا وجب بالقبض كالغصب [ ص: 207 ] والقرض فإنه يصير قصاصا ، سواء جعلاه قصاصا ، أو لا بعد أن كان وجوب الدين الآخر متأخرا عن العقد ; لأن العقد إن انعقد موجبا قبضا حقيقة فقد وجد ههنا لكن قبض الغصب والقرض قبض حقيقة فيجعل عن قبض رأس المال ; لأنه واجب ، وقبض الغصب محظور وقبض القرض ليس بواجب فكان إيقاعه عن الواجب أولى ، بخلاف ما تقدم ; لأن هناك لم يوجد القبض حقيقة ، والقبض بطريق المقاصة يمكن في أحد الفصلين دون الآخر على ما بينا ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                هذا إذا تساوى الدينان ، فأما إذا تفاضلا بأن كان أحدهما أفضل ، والآخر أدون فرضي أحدهما بالقصاص وأبى الآخر فإنه ينظر إن أبى صاحب الأفضل لا يصير قصاصا ; لأن حقه في الجودة معصوم محترم فلا يجوز إبطاله عليه من غير رضاه ، وإن أبى صاحب الأدون يصير قصاصا ; لأنه لما رضي به صاحب الأفضل فقد أسقط حقه عن الفضل كأنه قضى دينه فأعطاه أجود مما عليه وهناك يجبر على الأخذ كذا هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك المقاصة في ثمن الصرف تخرج على هذه التفاصيل التي ذكرناها في رأس مال السلم ، فافهم والله الموفق للصواب .

                                                                                                                                ثم ما ذكرنا من اعتبار هذا الشرط ، وهو قبض رأس المال حال بقاء العقد ، فأما بعد ارتفاعه بطريق الإقالة ، أو بطريق آخر فقبضه ليس بشرط في مجلس الإقالة ، بخلاف القبض في مجلس العقد وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة أنه شرط لصحة الإقالة كقبضهما في مجلس العقد .

                                                                                                                                ( ووجه ) الفرق أن القبض في مجلس العقد في البابين ما هو شرط لعينه ، وإنما هو شرط للتعيين ، وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين على ما بينا ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم ; لأنه لا يجوز استبداله فيعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس القبض فلا يراعى له المجلس ، بخلاف الصرف ; لأن التعيين لا يحصل ، إلا بالقبض ; لأن استبداله جائز فلا بد من شرط القبض في المجلس ليتعين ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية