الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال ولا أحب مبايعة من أكثر ماله من ربا أو من حرام ولا أفسخ البيع لإمكان الحلال فيه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . تكره معاملة من لا يتوقى الشبه في كسبه ، ومن خلط الحرام بماله لقوله صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فلن تجد فقد شيء تركته لله " ولقوله صلى الله عليه وسلم " حلال بين وحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات ومن يحم حول الحمى يوشك أن يقع فيه " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو صليتم حتى تصيروا كالحنايا ، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما تقبل ذلك منكم إلا بورع شاف . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من لم يبال من أين مطعمه من أين مشربه لم يبال الله تعالى من أي أبواب جهنم أدخله " وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ملاك دينكم الورع . وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلا دخل السوق يتجر فقال له : هل تعرف أبواب الربا فقال : لا . فدفع إليه فأسا وقال له : امض فاحتطب . والورع في الدين مندوب إليه ، وتوقي الشبه فيه مأمور به .

                                                                                                                                            [ ص: 311 ] وإذا كان كذلك فلا يخلو حال من تعامله ببيع أو قرض أو تقبل هبة أو هدية من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون ممن يتوقى الشبه ويعلم أن ماله حلال فمعاملة مثله هي المستحقة .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون ممن يبيع الحرام وقد تعين لنا تحريم ماله فمعاملة هذا حرام ، والعقود معه على أعيان ما بيده من هذه الأموال باطلة ، لا يجوز لأحد أن يتملك عليه شيئا منها .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون من طالبي الشبه وملتمسي الحرام ، لكن ليس يتعين ذلك المال لاختلاطه بغيره من الحلال ، كاليهود الذين في أموالهم الربا وأثمان الخمور ، وقطاع الطريق ، وعمال الضرائب ، وكالسلطان الجائر ، الذي قد يأخذ الأموال من غير وجهها ، إلى من جرى مجراه فتكره معاملتهم لما وصفنا ورعا واحتياطا ، ولا يحرم ذلك في الحكم بل يجوز ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من أبي الشحم اليهودي أصوعا من شعير ، وقد كان ممن لا يتوقى الربا . مع ما أخبر الله تعالى في كتابه عن كافة اليهود بقوله تعالى : سماعون للكذب أكالون للسحت ولأن الله تعالى قد أمرنا بأخذ الجزية من اليهود ، ولو حرمت علينا أموالهم لما جاز أن نأخذها في جزيتهم ، ولأنهم إذا أسلموا أقروا على أموالهم ولو حرمت لحرم إقرارهم عليها بعد إسلامهم ، وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال : إن لي جارا يربي أفآكل من ماله فقال : لك مهنأه وعليه مأثمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية