الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3006 ) فصل : وكل مبيع كان معيبا ، ثم حدث به عند المشتري عيب آخر ، قبل علمه بالأول ، فعن أحمد رحمه الله فيه روايتان ; إحداهما ، ليس له الرد ، وله أرش العيب القديم . وبه قال الثوري ، وابن شبرمة ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وروي ذلك عن ابن سيرين ، والزهري ، والشعبي ; لأن الرد ثبت لإزالة الضرر ، وفي الرد على البائع إضرار به ، ولا يزال الضرر بالضرر . والثانية ، له الرد ، يرد أرش العيب الحادث عنده ، ويأخذ الثمن . وإن شاء أمسكه ، وله الأرش . وبهذا قال مالك وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال النخعي ، وحماد بن أبي سليمان : يرده ونقصان العيب . وقال الحكم : يرده . ولم يذكر معه شيئا . ولنا ، حديث المصراة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بردها بعد حلبها ، ورد عوض لبنها . واحتج أحمد بأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى في الثوب ، إذا كان به عوار ، برده وإن كان قد لبسه . ولأنه عيب حدث عند المشتري ، فكان له الخيار بين رد المبيع وأرشه ، وبين أخذ أرش العيب القديم ، كما لو كان حدوثه لاستعلام المبيع .

                                                                                                                                            ولأن العيبين قد استويا ، والبائع قد دلس به ، والمشتري لم يدلس ، فكان رعاية جانبه أولى . ولأن الرد كان جائزا قبل حدوث العيب الثاني ، فلا يزول إلا بدليل ، وليس في المسألة إجماع ولا نص ، والقياس إنما يكون على أصل ، وليس لما ذكروه أصل ، فيبقى الجواز بحاله . إذا ثبت هذا ، فإنه يرد أرش العيب الحادث عنده ; لأن المبيع بجملته مضمون عليه ، فكذلك أجزاؤه . وإن زال العيب الحادث عند المشتري ، رده ولا أرش معه ، على كلتا الروايتين . وبه قال الشافعي ; لأنه زال المانع ، مع قيام السبب المقتضي للرد ، فثبت حكمه .

                                                                                                                                            ولو اشترى أمة ، فحملت عنده ، [ ص: 112 ] ثم أصاب بها عيبا ، فالحمل عيب في الآدميات دون غيرهن ; لأنه يمنع الوطء ويخاف منه التلف . فإن ولدت ، فالولد للمشتري . وإن نقصتها الولادة ، فذلك عيب أيضا . وإن لم تنقصها الولادة ومات الولد ، جاز ردها ; لأنه زال العيب ، وإن كان ولدها باقيا ، لم يكن له ردها دون ولدها ; لأن ذلك تفريق بينهما ، وهو محرم . وقال الشريف أبو جعفر ، وأبو الخطاب في " مسائلهما " : له الفسخ فيها ، دون ولدها . وهو قول أكثر أصحاب الشافعي . ولأنه موضع حاجة ، فأشبه ما لو ولدت حرا ، فإنه يجوز بيعها دون ولدها .

                                                                                                                                            ولنا ، عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم { : من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } . ولأنه أمكن دفع الضرر بأخذ الأرش ، أو برد ولدها معها ، فلم يجز ارتكاب منهي الشرع بالتفريق بينهما ، كما لو أراد الإقالة فيها دون ولدها . وقولهم : إن الحاجة داعية إليه . قلنا : قد اندفعت الحاجة بأخذ الأرش ، أما إذا ولدت حرا ، فلا سبيل إلى بيعه معها بحال . ولو كان المبيع حيوانا غير الآدمي ، فحدث به حمل عند المشتري ، لم يمنع الرد بالعيب ; لأنه زيادة .

                                                                                                                                            وإن علم بالعيب بعد الوضع ، ولم تنقصه الولادة ، فله إمساك الولد ورد الأم ; لأن التفريق بينهما جائز . ولا فرق بين حملها قبل القبض ، أو بعده . ولو اشتراها حاملا ، فولدت عنده ، ثم اطلع على العيب فردها ، رد الولد معها ; لأنه من جملة المبيع ، والزيادة فيه نماء متصل بالمبيع ، فأشبه ما لو سمنت الشاة . فإن تلف الولد ، فهو كتعيب المبيع عنده . فإن قلنا : له الرد . فعليه قيمته ، إن اختار رد الأم ، وعند أحمد ; أنه لا قيمة عليه للولد . وحمله القاضي على أن البائع دلس العيب . وإن نقصت الأم بالولادة ، فهو عيب حادث ، حكمه حكم العيوب الحادثة .

                                                                                                                                            ويمكن حمل كلام أحمد على أن الحمل لا حكم له . وهذا أحد القولين للشافعي . فعلى هذا يكون الولد حينئذ للمشتري ، فلا يلزمه رده إن كان باقيا ، ولا قيمته إن كان تالفا . والأول هو الصحيح ، وعليه العمل ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية