الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1395 [ ص: 446 ] 46 - باب: ليس على المسلم في عبده صدقة .

                                                                                                                                                                                                                              1464 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن خثيم بن عراك قال: حدثني أبي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا وهيب بن خالد، حدثنا خثيم بن عراك بن مالك، عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه". [انظر: 1463 - مسلم: 182 - فتح: 3 \ 327]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه الحديث المذكور من طريقين بلفظ: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه من حديث خثيم بن عراك عن أبيه، عن أبي هريرة به، وليس له عنده سواه -أعني خثيم-، عن أبيه عنه، وأخرجه مسلم والأربعة بلفظ: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ له -وهو من أفراده-: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" ولأبي داود: "إلا زكاة الفطر في الرقيق" .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن وهب: "لا صدقة على الرجل في خيله ولا في رقيقه" .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي شيبة: "ولا وليدته" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 447 ] وهو مقتض لنفي كل صدقة من هذا الجنس إلا ما دل الدليل عليه، وذهب مالك، والشافعي، وأحمد إلى أنه لا زكاة في الخيل . وروي ذلك عن علي، وابن عمر، وهو قول النخعي، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والشعبي -فيما ذكره ابن أبي شيبة- وعطاء، والحسن البصري، والحكم، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبي يوسف، ومحمد، وأبي ثور . وخالف الجماعة أبو حنيفة، وزفر فقالا: في كل فرس دينار إذا كانت ذكورا وإناثا سائمة، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              دليل الجماعة هذا الحديث، وقد أخرجه مالك في "الموطإ"، والستة كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              وكذا خالف في العبد كما قال الداودي: خالف الكوفي سائر العلماء في الفرس والعبد وقال: فيهما الصدقة، وغيره قال: لا خلاف أنه ليس في رقاب العبيد زكاة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 448 ] قال أبو عبد الملك: هذا الحديث أصل في المقتنيات كلها أنه لا صدقة فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وأصل الحلي إذا اقتني لا زكاة فيه، واحتج به داود على أن العروض لا زكاة فيها وإن أريد بها التجارة، وكذلك استثنى في رواية زكاة الفطر; لما كانت واجبة، وفي "الأسرار" للدبوسي: لما سمع زيد ابن ثابت حديث أبي هريرة هذا قال: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه أراد فرس الغازي، وأما ما طلب نسلها ورسلها، ففيها الزكاة في كل فرس دينار، أو عشرة دراهم. قال أبو زيد: ومثل هذا لا نعرفه قياسا، فثبت أنه مرفوع. قلت حتى يثبت الأصل.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عبد البر في حديث أبي هريرة : رواه حبيب كاتب مالك، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، فأخطأ، وكان كثير الخطإ، وأخطأ فيه أيضا يحيى بن يحيى -يعني: الأندلسي- فأسقط سليمان بين ابن دينار وعراك.

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث مالك عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار أن عمر وأبا عبيدة أبيا عن ذلك، ففيه دلالة واضحة على المنع، وهذا يعارض ما روي عن عمر في زكاة الخيل، قال: ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجبها في الخيل إلا أبا حنيفة.

                                                                                                                                                                                                                              وحجته ما رواه عبد الرزاق عن عمر ، وحديث مالك يرده ويعارضه فتسقط الحجة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وفي "مستدرك الحاكم" ما أخرجه أحمد أن عمر جاءه ناس [ ص: 449 ] من أهل الشام فقالوا: إنا أصبنا أموالا وخيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة، فاستشار أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: حسن وفيهم علي. فقال: هو حسن إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها فعدل. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد إلا أن الشيخين لم يخرجا عن حارثة بن مضرب -يعني: أحد رواته- وإنما ذكرته في هذا الموضع للمحدثات الراتبة التي فرضت في زماننا على المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وأما ما رواه البغوي في "معجمه" عن مرثد بن ربيعة (اليزني) قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخيل فيها شيء؟ قال: "لا، إلا ما كان منها للتجارة" فآفته الشاذكوني . وأما حديث أبي يوسف، عن غورك ابن الحصرم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر مرفوعا: "في الخيل السائمة في كل فرس دينار" قال الدارقطني : تفرد به غورك، [ ص: 450 ] وهو ضعيف جدا .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي: ولو كان صحيحا عند أبي يوسف لم يخالفه . وقد قال بقول أبي حنيفة زفر، وقبلهما حماد بن أبي سليمان، وفي "الروضة"، وإبراهيم النخعي.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث علي مرفوعا: "عفوت عن صدقة الخيل والرقيق" صححه البخاري من طريقيه فيما سأله الترمذي . وحديث عمرو بن حزم ، عن أبيه، عن جده مرفوعا: "ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء" دالان للجماعة.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج لأبي حنيفة أيضا بحديث أبي هريرة : "الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما التي هي له ستر يتخذها تكرما وتجملا، ولم ينس حق الله في ظهورها وبطونها وعسرها ويسرها" .

                                                                                                                                                                                                                              وقد أنصف الطحاوي فقال: كل ما سلف أن ما أخذ عمر منهم لم يكن زكاة، ألم تر أن اللذين كانا قبل -يعني: رسول الله والصديق- لم يأخذا منها صدقة ولم ينكر على عمر ما قال من ذلك أحد من الصحابة، [ ص: 451 ] وذكر قول عمر السالف أنه إنما أخذ ذلك بسؤالهم إياه، وأن لهم منع ذلك متى أحبوا، ثم سلك عمر بالعبيد في ذلك مسلك الخيل، ولم يدل ذلك أن العبيد الذين لغير التجارة تجب فيهم الصدقة، وإنما كان ذلك على التبرع من مواليهم لإعطاء ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              والأمة مجمعة على أنه لا زكاة في العبيد غير زكاة الفطر إذا كانوا للقنية، فإن كانوا للتجارة فالزكاة في أثمانهم، ويلزم تقويمهم كالعروض.

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث أبي هريرة : "ولم ينس حق الله" فإنه يجوز أن يكون ذلك الحق حقا سوى الزكاة، فإنه روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "في المال حق سوى الزكاة" لكنه ضعيف كما تقدم، وأيضا الحديث في الخيل المرتبطة لا السائمة.

                                                                                                                                                                                                                              وأيضا حديث جابر مرفوعا: "إن حق الإبل إطراق فحلها، وإعارة دلوها ومنحة سمينها" فيحتمل أن يكون كذلك في الخيل، ومن جهة النظر أن من أوجبها لا يوجبونها حتى تكون ذكورا وإناثا، ويلتمس صاحبها نسلها، ولا يجب في ذكورها خاصة، ولا في إناثها خاصة.

                                                                                                                                                                                                                              وكانت الزكاوات المتفق عليها في المواشي تجب في الإبل، والبقر، والغنم ذكورا كانت كلها أو إناثا، فلما استوى حكم الذكور خاصة في ذلك، وحكم الإناث خاصة، وحكم المجموع، وكانت الذكور من الخيل خاصة، والإناث منها خاصة لا تجب فيها زكاة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 452 ] قال الطحاوي والطبري : والنظر أن الخيل في معنى البغال والحمير التي قد أجمع الجميع أن لا صدقة فيها، ورد المختلف في ذلك إلى المتفق عليه إذا اتفق في المعنى أولى .

                                                                                                                                                                                                                              فرع:

                                                                                                                                                                                                                              في الحديث جواز قول: غلام فلان. وجواز قول: عبد فلان. وفي البخاري : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول الرجل عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية