الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وفاة السلطان طغرلبك .

في هذه السنة سار السلطان من بغداذ ، في ربيع الأول إلى بلد الجبل ، فوصل إلى الري واستصحب معه أرسلان خاتون ابنة أخيه ، زوجة الخليفة ، لأنها شكت اطراح الخليفة لها ، فأخذها معه ، فمرض ، وتوفي يوم الجمعة ثامن شهر رمضان وكان عمره سبعين سنة تقريبا ، وكان عقيما لم يلد ولدا .

وكان وزيره الكندري على سبعين فرسخا ، فأتاه الخبر ، فسار ، ووصل إليه في يومين وهو بعد لم يدفن فدفنه . وجلس له الوزير فخر الدولة بن جهير ببغداذ للعزاء .

حكى عنه الكندري أنه قال : رأيت ، وأنا بخراسان ، في المنام كأنني رفعت إلى السماء ، وأنا في ضباب لا أبصر معه شيئا ، غير أني أشم رائحة طيبة ، وأنني أنادى : إنك قريب من الباري ، جلت قدرته ، فاسأل حاجتك لتقضى ، فقلت في نفسي : أسأل طول العمر ، فقيل : لك سبعون سنة ، فقلت : يا رب ما يكفيني ، فقيل : لك سبعون سنة ، فقلت : يا رب لا يكفيني ، فقيل : لك سبعون سنة . فلما مات حسب عميد الملك عمره ، على التقريب ، فكان سبعين سنة . وكانت مملكته ، بحضرة الخلافة ، سبع سنين وأحد عشر شهرا واثنى عشر يوما .

وأما الأحوال بالعراق ، بعد وفاته ، فإنه كتب من ديوان الخلافة إلى شرف الدولة مسلم بن قريش ، صاحب الموصل ، وإلى نور الدولة دبيس بن مزيد ، وإلى هزارسب ، وإلى بني ورام ، وإلى بدر بن المهلهل ، بالاستدعاء إلى بغداذ ، وأرسل لشرف الدولة تشريف ، وعمل أبو سعيد القايني ، ضامن بغداذ ، سورا على قصر عيسى ، وجمع [ ص: 184 ] الغلات . فانحدر إبراهيم بن شرف الدولة إلى أوانا ، وتسلم أصحابه الأنبار ، وانتشرت البادية في البلاد ، وقطعوا الطرقات .

وقدم إلى بغداذ دبيس بن مزيد ، وخرج الوزير ابن جهير لاستقباله ، وقدم أيضا ورام ، وتوفي ببغداذ أبو الفتح بن ورام ، مقدم الأكراد الجاوانية ، فحمل إلى جرجرايا ، وفارق شرف الدولة مسلم بغداذ ، ونهب النواحي ، فسار نور الدولة ، والأكراد ، وبنو خفاجة إلى قتاله .

ثم أرسل إليه من ديوان الخلافة رسول معه خلعة له ، وكوتب بالرضاء عنه ، وانحدر إليه نور الدولة دبيس ، فعمل له شرف الدولة سماطا كثيرا ، وكان في الجماعة الأشرف أبو الحسين بن فخر الملك أبي غالب بن خلف ، كان قصد شرف الدولة مستجديا ، فمضغ لقمة ، فمات من ساعته .

وحكى عنه بعض من صحبه أنه سمعه ذلك اليوم يقول : اللهم اقبضني ، فقد ضجرت من الإضاقة ! فلما توفي ورفع من السماط خاف شرف الدولة أن يظن من حضر أنه تناول طعاما مسموما قصد به غيره ، فقال : يا معشر العرب لا برح منكم أحد ، ونهض وجلس مكان ابن فخر الملك المتوفى ، وجعل يأكل من الطعام الذي بين يديه ، فاستحسن الجماعة فعله ، وعادوا عنه وخلع على دبيس وولده منصور وعاد إلى حلته .

ولما رأى الناس ببغداذ انتشار الأعراب في البلاد ونهبها ، حملوا السلاح لقتالهم ، وكان ذلك سببا لكثرة العيارين وانتشار المفسدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية