الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل ما كنت بدعا من الرسل الآية . أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه، عن ابن [ ص: 313 ] عباس : قل ما كنت بدعا من الرسل يقول : لست بأول الرسل، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . فأنزل الله بعد هذا : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح : 2] وقوله : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية [الفتح : 5] فأعلم الله سبحانه نبيه ما يفعل به وبالمؤمنين جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد : قل ما كنت بدعا من الرسل قال : ما كنت بأولهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة : قل ما كنت بدعا من الرسل قال : يقول : قد كانت الرسل قبله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن عطية في قوله : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال : هل يترك بمكة أو يخرج منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في "ناسخه"، من طريق عكرمة، عن ابن عباس في قوله : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال : نسختها هذه الآية التي في "الفتح"، فخرج إلى الناس، فبشرهم بالذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال رجل من المؤمنين : هنيئا لك يا نبي الله، قد علمنا الآن ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله في الأحزاب : وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا [ ص: 314 ] [الأحزاب : 47] . وقال : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم [الفتح : 5] فبين الله ما به يفعل به وبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري، والنسائي، وابن مردويه، عن أم العلاء - وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : لما مات عثمان بن مظعون قلت : رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أن الله أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي ولا بكم . قالتأم العلاء : فوالله لا أزكي بعده أحدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، وابن مردويه، عن ابن عباس قال : لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته أو امرأة : هنيئا لك ابن مظعون الجنة . فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر مغضب، وقال : وما يدريك؟ والله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي . قال : وذلك قبل أن ينزل : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح : 2] فقالت : يا رسول الله، صاحبك وفارسك وأنت أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 315 ] فقال : أرجو له رحمة ربه، وأخاف عليه ذنبه .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن حبان ، والطبراني عن زيد بن ثابت أن عثمان بن مظعون لما قبر قالت أم العلاء : طب أبا السائب نفسا إنك في الجنة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك؟ قالت : يا رسول الله، عثمان بن مظعون! قال : أجل ما رأينا إلا خيرا، والله ما أدري ما يصنع بي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف زمانا، فلما نزلت : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح : 2،1] اجتهد، فقيل له : تجهد نفسك وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال : أفلا أكون عبدا شكورا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال : ثم درى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ما يفعل به بقوله : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 316 ] وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال : أما في الآخرة فمعاذ الله؛ قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل ولكن : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . في الدنيا؛ أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي، أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي، ولا بكم . أمتي المكذبة أم أمتي المصدقة أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا، أم مخسوف بها خسفا . ثم أوحي إليه : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس [الإسراء : 60] يقول : أحطت لك بالعرب ألا يقتلوك . فعرف أنه لا يقتل، ثم أنزل الله . هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا [الفتح : 28] يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيظهر دينك على الأديان . ثم قال له في أمته : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال : 33] فأخبر الله ما يصنع به، وما يصنع بأمته .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية