الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها

                                                                                                                                                                                                        1274 حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر [ ص: 246 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 246 ] قوله : ( باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها ) قال الزين بن المنير : المراد بقوله : " أو نحوها " بقية ما تشد إليه الرحال من الحرمين ، وكذلك ما يمكن من مدافن الأنبياء وقبور الشهداء والأولياء تيمنا بالجوار ، وتعرضا للرحمة النازلة عليهم اقتداء بموسى عليه السلام . انتهى . وهذا بناء على أن المطلوب القرب من الأنبياء الذين دفنوا ببيت المقدس ، وهو الذي رجحه عياض ، وقال المهلب : إنما طلب ذلك ليقرب عليه المشي إلى المحشر ، وتسقط عنه المشقة الحاصلة لمن بعد عنه .

                                                                                                                                                                                                        ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة : " أرسل ملك الموت إلى موسى . . . " . الحديث بطوله من طريق معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه عنه ، ولم يذكر فيه الرفع ، وقد ساقه في أحاديث الأنبياء من هذا الوجه ثم قال : وعن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وقد ساقه مسلم من طريق معمر بالسندين كذلك . وقوله فيه : " رمية بحجر " ؛ أي قدر رمية حجر ، أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر ، أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر ، وهذا الثاني أظهر ، وعليه شرح ابن بطال وغيره . وأما الأول فهو وإن رجحه بعضهم فليس بجيد ، إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك ، ويحتمل أن يكون القدر الذي كان بينه وبين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية ، فلذلك طلبها ، لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمي موضع قبره لئلا تعبده الجهال من ملته . انتهى . ويحتمل أن يكون سر ذلك أن الله لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم ، ولم يدخلها معه أحد ممن امتنع أولا أن يدخلها كما سيأتي شرح ذلك في أحاديث الأنبياء ، ومات هارون ثم موسى عليهما السلام قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح كما سيأتي واضحا أيضا ، فكأن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ، ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها ، طلب القرب منها ، لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه . وقيل : إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت ، ولا ينقل . وفيه نظر لأن موسى قد نقل يوسف عليهما السلام معه لما خرج من مصر كما سيأتي ذلك في ترجمته ، إن شاء الله تعالى ، وهذا كله بناء على الاحتمال الثاني والله أعلم . واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد ، فقيل : يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته ، وقيل : يستحب ، والأولى تنزيل ذلك على حالتين : فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة ، وتختلف الكراهة في ذلك ، فقد تبلغ التحريم ، والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية