الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3082 ) فصل : إذا أعد بركة ، أو مصفاة ; ليصطاد فيها السمك ، فحصل فيها سمك ملكه ; لأنه آلة معدة للاصطياد ، فأشبه الشبكة . ولو استأجر البركة ، أو الشبكة ، أو استعارهما للاصطياد ، جاز ، وما حصل فيهما ملكه . وإن كانت البركة غير معدة للاصطياد ، لم يملك ما حصل فيها من السمك ; لأنها غير معدة له ، فأشبهت أرضه إذا دخل فيها صيد ، أو حصل فيها سمك . ومتى نصب شبكة ، أو شركا ، أو فخا ، أو أحبولة ، ملك ما وقع فيها من الصيد ; لأنه بمنزلة يده . وكذلك لو نصب المناجل للصيد ، وسمى فقتلت صيدا حل له أكله ، وكان كذبحه .

                                                                                                                                            ولو وقع في شبكته أو شبهها شيء كان مضمونا عليه ، فعلم بذلك ، أنه كيده . ولو أعد لمياه الأمطار مصانع ، أو بركا ، أو أواني ; ليحصل فيها الماء ، ملكه بحصوله فيها ; لأنها في باب الإعداد ، كالشباك للاصطياد . ولو أعد سفينة للاصطياد ، كالتي يجعل فيها الضوء ويضرب صواني الصفر ; ليثب السمك فيها ، كان حصوله فيها كحصوله في شبكته ; لكونها صارت من الآلات المعدة له ، ولو لم يعدها لذلك ، لم يملك ما وقع فيها . ومن سبق إليه فأخذه ملكه ، كالأرض التي لم تعد للاصطياد ، مثل أرض الزرع إذا دخلها ماء فيه سمك ، ثم نضب عنه ، أو دخل فيها ظبي ، أو عشش فيها طائر ، أو سقط فيها جراد ، أو حصل فيها ملح ، لم يملكه صاحبها ; لأنه ليس من نماء الأرض ، ولا مما هي معدة له ، لكنه يكون أحق به ، إذ ليس لغيره التخطي في أرضه ، ولا الانتفاع بها ، فإن تخطى وأخذه ، أخطأ وملكه .

                                                                                                                                            قال أحمد في ورشان على نخلة قوم ، صاده إنسان : هو للصائد . وقال في طيرة لقوم أفرخت في دار جيرانهم : إن الفرخ يتبع الأم ، يرد فراخها على أصحاب الطيرة . واختار ابن عقيل في المأخوذ من أملاك الناس ، من صيد وكلأ وشبهه ، أنه لا يملكه بأخذه ; لأنه سبب منهي عنه ، فلم يفد الملك ، كالبيع المنهي عنه ، إذ السبب لا يختلف بين كونه بيعا ، أو غيره ; لقوله عليه السلام { من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد . } والصحيح الأول .

                                                                                                                                            ولا نسلم أن السبب منهي عنه ، فإن السبب الأخذ ، وليس بمنهي عنه ، إنما نهي عن [ ص: 144 ] الدخول ، وهو غير السبب ، بخلاف البيع ، ولأن النهي هاهنا لحق آدمي ، فلا يمنع الملك ، كبيع المصراة ، والمعيب ، وتلقي الركبان ، والنجش ، وبيعه على بيع أخيه . ولو أعد أرضه للملح ، فجعلها ملاحة ; ليحصل فيها الماء ، فيصير ملحا ، كالأرض التي على ساحل البحر ، يجعل إليها طريقا للماء ، فإذا امتلأت قطعه عنها ، أو تكون أرضه سبخة ، يفتح إليها الماء من عين ، أو يجمع فيها ماء المطر ، فيصير ملحا ، ملكه بذلك ; لأنها معدة له ، فأشبهت البركة المعدة للصيد . وإن لم يكن أعدها لذلك ، لم يملك ما حصل فيها ، كما قدمنا في مثلها .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد روي عن أحمد في إنسان رمى طيرا ببندق ، فوقع في دار قوم ، فهو لهم دونه . وهذا يدل على أنهم ملكوه بحصوله في دارهم . قلنا : هذا محمول على أنه وقع ممتنعا ، فصاده أهل الدار ، فملكوه باصطيادهم . كذلك قال ابن عقيل ويتعين حمله على هذا ; لأنهم إذا لم يملكوا ما حصل في دارهم بفعل الله تعالى ، فما حصل بفعل آدمي أولى . ولأنه وقع في الدار بعد الضربة المثبتة له ، التي يملك بها الصيد فأشبه ما لو أطارت الريح ثوب إنسان ، فألقته في دارهم .

                                                                                                                                            ولو كانت آلة الصيد ، كالشبكة والشرك ، والمناجل ، غير منصوبة للصيد ، ولا قصد بها الاصطياد ، فتعلق بها صيد لم يملكه صاحبها بذلك ; لأنها غير معدة للصيد في هذه الحال ، فأشبهت الأرض التي ليست معدة له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية