الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( يضاعف لهم ) : مستأنف .

( ما كانوا ) : في ( ما ) ثلاثة أوجه :

أحدها : هي بمعنى الذي ; والمعنى : يضاعف لهم بما كانوا ، فلما حذف الحرف نصب . والثاني : هي مصدرية والتقدير : مدة ما كانوا يستطيعون . والثالث : هي نافية ; أي من شدة بغضهم له لم يستطيعوا الإصغاء إليه .

قال تعالى : ( لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( لا جرم ) : فيه أربعة أقوال : أحدها : أن ( لا ) رد لكلام ماض ; أي ليس الأمر كما زعموا و ( جرم ) فعل وفاعله مضمر فيه .

و ( أنهم في الآخرة ) : في موضع نصب ، والتقدير : كسبهم قولهم خسرانهم في الآخرة . والقول الثاني : أن ( لا جرم ) كلمتان ركبتا وصارتا بمعنى حقا ، و " أنـ . . " في موضع رفع بأنه فاعل لحق ; أي حق خسرانهم . والثالث : أن المعنى لا محالة خسرانهم ; فيكون في موضع رفع أيضا . وقيل : في موضع نصب أو جر ; إذ التقدير : لا محالة في خسرانهم . والرابع : أن المعنى لا منع من أنهم خسروا ، فهو في الإعراب كالذي قبله .

قال تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( مثل الفريقين ) : مبتدأ ، والخبر " كالأعمى " والتقدير : كمثل الأعمى ; وأحد الفريقين الأعمى والأصم ، والآخر البصير والسميع .

( مثلا ) تمييز .

قال تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ( 25 ) ) [ ص: 27 ] قوله تعالى : ( إني لكم ) : يقرأ بكسر الهمزة ، على تقدير : فقال : إني . وبفتحها على تقدير : بأني ، وهو في موضع نصب ; أي أرسلناه بالإنذار ; أي منذرا .

قال تعالى : ( أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لا تعبدوا ) : هو مثل الذي في أول السورة .

قال تعالى : ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ( 27 ) ) .

قوله تعالى : ( ما نراك ) : يجوز أن يكون من رؤية العين وتكون الجملة بعده في موضع الحال ، و " قد " معه مرادة .

ويجوز أن يكون من رؤية القلب ; فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني .

و " الأراذل " : جمع أرذال ، وأرذال : جمع رذل ، وقيل : الواحد أرذل ، والجمع أراذل ; وجمع على هذه الزنة وإن كان وصفا ; لأنه غلب فصار كالأسماء . ومعنى غلبته أنه لا يكاد يذكر الموصوف معه ، وهو مثل الأبطح و الأبرق .

( بادي الرأي ) : يقرأ بهمزة بعد الدال ، وهو من بدأ يبدأ ، إذا فعل الشيء أولا . ويقرأ بياء مفتوحة ، وفيه وجهان : أحدهما : أن الهمزة أبدلت ياء لانكسار ما قبلها . والثاني : أنه من بدا يبدو ، إذا ظهر .

وبادي هنا ظرف ، وجاء على فاعل ، كما جاء على فعيل ، نحو قريب وبعيد ، وهو مصدر مثل العافية والعاقبة ، وفي العامل فيه أربعة أوجه : أحدها : نراك ; أي فيما يظهر لنا من الرأي ، أو في أول رأينا .

فإن قيل : ما قبل " إلا " إذا تم لا يعمل فيما بعدها ، كقولك : ما أعطيت أحدا إلا زيدا دينارا ; لأن إلا تعدي الفعل ولا تعديه إلى واحد ، كالواو في باب المفعول معه قيل : جاز ذلك هنا ; لأن " بادي " ظرف ، أو كالظرف ; مثل جهد رأيي أنك ذاهب ; أي في جهد رأيي ، والظروف يتسع فيها . والوجه الثاني : أن العامل فيه ( اتبعك ) أي اتبعوك في أول الرأي ، أو فيما ظهر منه من غير أن يبحثوا . والوجه الثالث : أنه من تمام ( أراذلنا ) : أي الأراذل في رأينا . والرابع : أن العامل فيه محذوف ; أي يقول ذاك في بادي الرأي به .

و ( الرأي ) مهموز ، وغير مهموز .

التالي السابق


الخدمات العلمية