الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 154 ] فصل : والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط ; أحدها ، أن يشتري ، فلو جلب شيئا ، أو أدخل من غلته شيئا ، فادخره ، لم يكن محتكرا . روي [ عن ] الحسن ومالك وقال الأوزاعي الجالب ليس بمحتكر ; لقوله { : الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون } ولأن الجالب لا يضيق على أحد ، ولا يضر به ، بل ينفع ، فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع ، كان ذلك أطيب لقلوبهم من عدمه . الثاني ، أن يكون المشترى قوتا .

                                                                                                                                            فأما الإدام ، والحلواء ، والعسل ، والزيت ، وأعلاف البهائم ، فليس فيها احتكار محرم . قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل ، عن أي شيء الاحتكار ؟ قال : إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره . وهذا قول عبد الله بن عمرو . وكان سعيد بن المسيب وهو راوي حديث الاحتكار - يحتكر الزيت . قال أبو داود : كان يحتكر النوى ، والخيط ، والبزر ولأن هذه الأشياء مما لا تعم الحاجة إليها ، فأشبهت الثياب ، والحيوانات . الثالث ، أن يضيق على الناس بشرائه . ولا يحصل ذلك إلا بأمرين ; أحدهما ، يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار ، كالحرمين ، والثغور . قال أحمد : الاحتكار في مثل مكة والمدينة ، والثغور .

                                                                                                                                            فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد ، والبصرة ومصر ، لا يحرم فيها الاحتكار ; لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبا . الثاني ، أن يكون في حال الضيق ، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها ، ويضيقون على الناس . فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرخص ، على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحرم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية