الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم

                                                                                                                                                                                                كانوا يدعون الحرص على الجهاد ويتمنونه بألسنتهم ويقولون: لولا نزلت سورة في معنى الجهاد فإذا أنزلت وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه كاعوا وشق عليهم، وسقطوا في أيديهم، كقوله تعالى: فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس [النساء: [ ص: 525 ] 77]. "محكمة" مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها إلا وجوب القتال. وعن قتادة : كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة، وهي أشد القرآن على المنافقين. وقيل لها: "محكمة"; لأن النسخ لا يرد عليها من قبل أن القتال قد نسخ ما كان من الصفح والمهادنة، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. وقيل: هي المحدثة; لأنها حين يحدث نزولها لا يتناولها النسخ، ثم تنسخ بعد ذلك أو تبقى غير منسوخة. وفى قراءة عبد الله : (سورة محدثة) وقرئ: (فإذا نزلت سورة ذكر فيها القتال) على البناء للفاعل ونصب القتال الذين في قلوبهم مرض هم الذين كانوا على حرف غير ثابتي الأقدام نظر المغشي عليه من الموت أي تشخص أبصارهم جبنا وهلعا وغيظا، كما ينظر من أصابته الغشية عند الموت فأولى لهم وعيد بمعنى: فويل لهم. وهو أفعل: من الولي وهو القرب. ومعناه: الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه طاعة وقول معروف كلام مستأنف، أي: طاعة وقول معروف خير لهم. وقيل: هي حكاية قولهم، أي: قالوا وقول معروف، بمعنى: أمرنا طاعة وقول معروف. وتشهد له قراءة أبي: يقولون طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر أي جد. والعزم والجد لأصحاب الأمر. وإنما يسندان إلى الأمر إسنادا مجازيا. ومنه قوله تعالى: إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى: 43]. فلو صدقوا الله فيما زعموا من الحرص على الجهاد. أو: فلو صدقوا في إيمانهم وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية