الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3152 ) الفصل الرابع ، في تصرفاته ، إن كان مأذونا له في التجارة ، قبل إقراره في قدر ما أذن له ، ولم يقبل فيما زاد . ولا يقبل إقرار غير المأذون له بالمال . فإن أقر بعين في يده أو دين يتعلق برقبته ، لم يقبل على سيده ; لأنه يقر بحق على غيره ، فلم يقبل ، كما لو أقر أن سيده باعه ، ويثبت في ذمته يتبع به بعد العتق .

                                                                                                                                            وإن أقر بجنايته ، استوى في ذلك المأذون له وغيره . وينقسم ذلك أقساما أربعة ; أحدها ، جناية موجبها المال ، كإتلافه ، أو جناية خطأ ، أو شبه عمد ، أو جناية عمد فيما لا قصاص فيه ، كالجائفة ، ونحوها ، فلا يقبل إقراره بها ; لأنه إقرار بالمال ، فلم يقبل ، كما لو أقر بدراهم ، أو دنانير . [ ص: 171 ]

                                                                                                                                            القسم الثاني ، جناية موجبها حد سوى السرقة ، أو قصاص فيما دون النفس ، فيقبل إقراره بذلك . وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . وقال له زفر ، وداود ، والمزني ، وجرير : لا يقبل ; لأنه يسقط به حق السيد ، فلا يقبل ، كالإقرار بجناية الخطإ . ولنا ، ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قطع يد عبد بإقراره بالسرقة ، وجلد عبدا أقر عنده بالزنا نصف الحد .

                                                                                                                                            ولا مخالف له في الصحابة ، فكان إجماعا . ولأن ما لا يقبل إقرار السيد فيه على العبد ، يقبل فيه إقرار العبد ، كالطلاق . ولأن العبد غير متهم فيه ; لأن ضرره به أخص ، وهو بألمه أمس ، فقبل إقراره ، كما لو أقرت به الزوجة .

                                                                                                                                            وخرج على هذين المعنيين جناية الخطإ ; فإن إقرار السيد بها مقبول ، ولا يتضرر العبد بها . القسم الثالث ، إقراره بالسرقة ، يقبل في الحد ، فيقطع ، ولا يقبل في المال ، سواء كانت العين تالفة ، أو باقية في يد السيد ، أو في يد العبد . وبهذا قال الشافعي . ويحتمل أن لا يقطع إذا أقر بسرقة عين موجودة في يده . وبهذا قال أبو حنيفة ; لأن العين محكوم بها لسيده ، فلا يقطع بسرقة عين لسيده ، ولأن المطالبة بالمسروق شرط في القطع ، وهذه لا يملك غير السيد المطالبة بها ، ولأن هذا شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات .

                                                                                                                                            ولنا ، خبر علي رضي الله عنه ولأنه مقر بسرقة عين تبلغ نصابا ، فوجب قطعه ، كما لو أقر حر بسرقة عين في يد غيره ، وما ذكروه يبطل بهذه الصورة ، وإنما لم ترد العين إلى المسروق منه لحق السيد ، وأما في حق العبد ، فقد يثبت للمقر له ، ولهذا لو عتق وعادت العين إلى يده ، لزمه ردها إلى المقر له . القسم الرابع ، الإقرار بما يوجب القصاص في النفس . فروي عن أحمد ، أنه لا يقبل . وعموم قول الخرقي ، إن أقر المحجور عليه بما يوجب حدا ، أو قصاصا ، أو طلق زوجته ، لزمه ذلك . يقتضي قبول إقراره ، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ; لأنه أقر بما يوجب قصاصا ، فقبل ، كإقراره بقطع اليد ، ولأنه أحد نوعي القصاص ، فقبل إقراره به ، كالآخر ، ولأنه لا يقبل إقرار سيده عليه به . فقبل إقراره به ، كالحد .

                                                                                                                                            واحتج أصحابنا ، بأن مقتضى القياس أن لا يقبل إقراره بالقصاص أصلا ; لأنه إقرار على مال سيده ، ولأنه متهم ، إذ يحتمل أن يكون عن مواطأة بينهما ، ليعفو على مال ، فيستحق رقبة العبد ، ولذلك لم تحمل العاقلة اعترافا ، فتركنا موجب القياس ; لخبر علي رضي الله عنه ففيما عداه يبقى على موجب القياس . ويفارق القصاص في النفس القصاص في الطرف ; لأنه قد يحتمل أنه أراد التخلص من سيده ، ولو بفوات نفسه .

                                                                                                                                            وكل موضع حكمنا بقبول إقراره بالقصاص ، فحكمه حكم الثابت بالبينة ، فلولي الجناية العفو ، والاستيفاء ، والعفو على مال ، فإن عفا ، تعلق الأرش برقبة العبد ، على ما مر بيانه . ويحتمل أن لا يملك العفو على مال ; لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الإقرار بمال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية