الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إسلام عمر بن الخطاب

ثم أسلم عمر بعد تسعة وثلاثين رجلا ، وثلاث وعشرين امرأة ، وقيل : أسلم بعد أربعين رجلا ، وإحدى عشرة امرأة ، وقيل : أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا ، وإحدى وعشرين امرأة .

[ ص: 680 ] وكان رجلا جلدا منيعا ، وأسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة . وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقدرون يصلون عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عندها ، وصلى معه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم .

وكان قد أسلم قبله حمزة بن عبد المطلب ، فقوي المسلمون بهما ، وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين .

قالت أم عبد الله بنت أبي حثمة ، وكانت زوج عامر بن ربيعة : إنا لنرحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر لبعض حاجته ، إذ أقبل عمر وهو على شركه حتى وقف علي ، وكنا نلقى منه البلاء أذى وشدة ، فقال : أتنطلقون يا أم عبد الله ؟ قالت : قلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله ، فقد آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله لنا فرجا . قالت : فقال : صحبكم الله ، ورأيت له رقة وحزنا . قالت : فلما عاد أخبرته وقلت له : لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ! قال : أطمعت في إسلامه ؟ قلت : نعم . فقال : لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب ، لما كان يرى من غلظته وشدته على المسلمين ، فهداه الله تعالى فأسلم ، فصار على الكفار أشد منه على المسلمين .

وكان سبب إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت تحت سعيد بن زيد بن عمرو العدوي ، وكانا مسلمين يخفيان إسلامهما من عمر ، وكان نعيم بن عبد الله النحام العدوي قد أسلم أيضا وهو يخفي إسلامه فرقا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوما ومعه سيفه يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، وهم مجتمعون في دار الأرقم عند الصفا ، وعنده من لم يهاجر من المسلمين في نحو أربعين رجلا ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال : أين تريد يا عمر ؟ فقال : أريد محمدا الذي فرق أمر قريش وعاب دينها فأقتله . فقال نعيم : والله لقد غرتك نفسك ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهلي ؟ قال : ختنك وابن عمتك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة ، فقد والله أسلما .

فرجع عمر إليهما وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما القرآن . فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب ، وأخذت فاطمة الصحيفة فألقتها تحت فخذيها ، وقد سمع عمر قراءة خباب . فلما دخل قال : ما هذه الهينمة ؟ قالا : ما سمعت شيئا ؟ قال : بلى ، قد أخبرت [ ص: 681 ] أنكما تابعتما محمدا ، وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته لتكفه ، فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته : قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما شئت .

ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم وقال لها : أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون فيها الآن ، حتى أنظر إلى ما جاء به محمد . قالت : إنا نخشاك عليها ، فحلف أنه يعيدها . قالت له : وقد طمعت في إسلامه : إنك نجس على شركك ، ولا يمسها إلا المطهرون ، فقام فاغتسل . فأعطته الصحيفة وقرأها ، وفيها : ( طه ) ، وكان كاتبا ، فلما قرأ بعضها قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع خباب خرج إليه وقال : يا عمر إني والله لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : اللهم أيد الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام ، فالله الله يا عمر ! فقال عمر عند ذلك : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم . فدله خباب ، فأخذ سيفه وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضرب عليهم الباب ، فقام رجل منهم فنظر من خلل الباب ، فرآه متوشحا سيفه ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فقال حمزة : ائذن له ، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له ، وإن أراد شرا قتلناه بسيفه .

فأذن له ، فنهض إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه فأخذ بمجامع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة وقال : ما جاء بك ؟ ما أراك تنتهي حتى ينزل الله عليك قارعة . فقال عمر : يا رسول الله جئت لأومن بالله وبرسوله ، فكبر - صلى الله عليه وسلم - تكبيرة عرف من في البيت أن عمر أسلم . فلما أسلم قال : أي قريش أنقل للحديث ؟ قيل : جميل بن معمر الجمحي ، فجاءه فأخبره بإسلامه ، فمشى إلى المسجد وعمر وراءه وصرخ : يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ . فيقول عمر من خلفه : كذب ولكني أسلمت ، فقاموا ، فلم يزل يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس وأعيا ، فقعد وهم على رأسه ، فقال : افعلوا ما بدا لكم ، فلو كنا ثلاثمائة نفر تركناها لكم أو تركتموها لنا ، يعني مكة .

فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ عمر . قال فمه ، رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا ؟ خلوا عن الرجل . وكان الرجل العاص بن وائل السهمي .

قال عمر : لما أسلمت أتيت باب أبي جهل بن هشام فضربت عليه بابه ، فخرج إلي وقال : مرحبا بابن أخي ! ما جاء بك ؟ قلت : جئت لأخبرك أني قد أسلمت وآمنت [ ص: 682 ] بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وصدقت ما جاء به . قال : فضرب الباب في وجهي وقال : قبحك الله ، وقبح ما جئت به !

وقيل في إسلامه غير هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية