الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ تقدير النصاب بالخرص ]

وأما المسألة الثانية - وهي تقدير النصاب بالخرص واعتباره به دون الكيل - : فإن جمهور العلماء على إجازة الخرص في النخيل والأعناب حين يبدو صلاحها لضرورة أن يخلى بينها وبين أهلها يأكلونها رطبا .

وقال داود : لا خرص إلا في النخيل فقط .

وقال أبو حنيفة وصاحباه : الخرص باطل ، وعلى رب المال أن يؤدي عشر ما تحصل بيده زاد على الخرص أو نقص منه .

والسبب في اختلافهم في جواز الخرص : معارضة الأصول للأثر الوارد في ذلك .

أما الأثر الوارد في ذلك - وهو الذي تمسك به الجمهور - فهو ما روي : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص عليهم النخل " .

وأما الأصول التي تعارضه : فلأنه من باب المزابنة المنهي عنها - وهو بيع الثمر في رءوس النخل بالثمر كيلا - ، ولأنه أيضا من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة ، فيدخله المنع من التفاضل ومن النسيئة ، وكلاهما من أصول الربا ، فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي كان يخرص على أهل خيبر لم يكن للزكاة ، إذ كانوا ليسوا بأهل زكاة، قالوا : يحتمل أن يكون تخمينا ليعلم ما بأيدي كل قوم من الثمار .

قال القاضي :

أما بحسب خبر مالك : فالظاهر أنه كان في القسمة ، لما روي أن عبد الله بن رواحة كان إذا فرغ من الخرص قال : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي - أعني : في قسمة الثمار لا في قسمة الحب .

وأما بحسب حديث عائشة الذي رواه أبو داود : فإنما الخرص لموضع النصيب الواجب عليهم في ذلك ، والحديث هو : أنها قالت - وهي تذكر شأن خيبر - : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه " . وخرص الثمار لم يخرجه الشيخان ، وكيفما كان [ ص: 224 ] فالخرص مستثنى من تلك الأصول ، هذا إن ثبت أنه كان منه - عليه الصلاة والسلام - حكما منه على المسلمين ، فإن الحكم لو ثبت على أهل الذمة ليس يجب أن يكون حكما على المسلمين إلا بدليل - والله أعلم .

ولو صح حديث عتاب بن أسيد لكان جواز الخرص بينا - والله أعلم ، وحديث عتاب بن أسيد هو أنه قال : " أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أخرص العنب وآخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا " . وحديث عتاب بن أسيد طعن فيه ، لأن راويه عنه هو سعيد بن المسيب ، وهو لم يسمع منه ، ولذلك لم يجز داود خرص العنب .

واختلف من أوجب الزكاة في الزيتون في جواز خرصه .

والسبب في اختلافهم : اختلافهم في قياسه في ذلك على النخل والعنب ; والمخرج عند الجميع من النخل في الزكاة هو التمر لا الرطب ، وكذلك الزبيب من العنب لا العنب نفسه ، وكذلك عند القائلين بوجوب الزكاة في الزيتون هو الزيت لا الحب قياسا على التمر والزبيب . وقال مالك في العنب الذي لا يتزبب والزيتون الذي لا ينعصر : أرى أن يؤخذ منه حبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية