الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( وإن أجازها ) أي الوصية بزائد على الثلث أو لوارث بشيء ( ورثه بلفظ إجازة ) ك أجزتها ( أو ) بلفظ ( إمضاء ) كأمضيتها ( أو ) بلفظ ( تنفيذ ) كنفذتها ( لزمت ) الوصية لأن الحق لهم فلزمت بإجازتها كما تبطل بردهم ( وهي ) أي الإجازة ( تنفيذ ) لما وصى به الموروث لا ابتداء عطية لقوله تعالى : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } ف ( لا يثبت لها ) أي الإجازة ( أحكام هبة فلا يرجع أب ) وارث من موص ( أجاز ) وصية لابنه . لأن الأب إنما يملك الرجوع فيما وهبه لولده . والإجازة تنفيذ لما وهبه غيره لابنه ( ولا يحنث بها ) أي الإجازة ( من حلف لا يهب ) لأنها ليست بهبة ( وولاء عتق ) من مورث ( مجاز ) أي يفتقر إلى الإجازة تنجيزا ، كأن أعتق عبدا لا يملك غيره ثم مات ، أو موصى به كوصيته بعتق عبد لا يملك غيره . فعتقه في الصورتين يتوقف على إجازة الورثة في ثلثيه . فإذا أجازوه نفذ . وولاؤه ( لموص تختص به عصبته ) لأنه المعتق . والإجازة لتنفيذ فعله ( وتلزم ) الإجازة ( بغير قبول ) مجاز له ( و ) بغير ( قبض ولو ) كانت الإجازة ( من سفيه ومفلس ) لأنها تنفيذ لا تبرع بالمال .

                                                                          ( و ) تلزم الإجازة ( مع كونه ) أي المجاز ( وقفا على مجيزه ) ولو قلنا : لا يصح الوقف على نفس الواقف . لأن الوقف ليس منسوبا للمجيز . إنما هو منفذ له .

                                                                          ( و ) تلزم الإجازة ( مع جهالة المجاز ) لأنها عطية غيره ( ويزاحم ) بالبناء للمفعول ( ب ) قدر ( مجاوز لثلثه الذي لم يجاوزه ) كأن أوصى لزيد بالثلث ولعمرو بالنصف وأجاز الورثة لعمرو خاصة فيزاحمه زيد بنصف كامل فيقسم الثلث بينهما على خمسة لزيد خمساه ولعمرو ثلاثة أخماسه ( لقصده ) أي الموصي ( تفضيله كجعله الزائد لثالث ) بأن أوصى لزيد بالثلث ولبكر بالسدس فيقسم الثلث بينهم على خمسة ، ثم يكمل [ ص: 458 ] لصاحب النصف في الأولى نصفه . ومن قال : الإجازة عطية عكس الأحكام المتقدمة . وقال في المثال المذكور : إنما يزاحمه بثلث خاصة لأن الثلث بينهما نصفين ثم يكمل إذ الزيادة عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت فلا يزاحم بها الوصايا . فيقسم الثلث بينهما نصفين ، ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة ( لكن لو أجاز مريض ) مرض الموت المخوف . قلت : وكذا من ألحق به وصية تتوقف على إجازة ( ف ) إجازته ( من ثلثه ) لتركه حقا ماليا كان يمكنه أن لا يتركه ، خلافا لأبي الخطاب وتبعه في الإقناع ( كمحاباة صحيح في بيع خيار له ) بأن باع ما يساوي مائة وعشرين بمائة بشرط الخيار له إلى شهر مثلا ( ثم مرض ) البائع ( زمنه ) أي في الشهر المشروط فيه الخيار له ولم يختر فسخ البيع حتى لزم . فإن العشرين تعتبر من ثلثه لتمكنه من استدراكها بالفسخ فتعود لورثته . فلما لم يفسخ كان كأنه اختار وصول ذلك للمشتري . أشبه عطيته في مرضه ( و ) ك ( إذن ) مريض ( في قبض هبة ) وهبها وهو صحيح ، لأنها قبل القبض كان يمكنه الرجوع فيها و ( لا ) تعتبر محاباة في ( خدمته ) من الثلث بأن أجر نفسه للخدمة بدون أجر مثله ثم مرض فأمضاها بل محاباته في ذلك من رأس ماله . لأن تركه الفسخ إذن ليس بترك مال ( والاعتبار بكون من وصى ) له بوصية ( أو وهب له ) هبة من مريض ( وارثا أو لا عند الموت ) أي موت موص وواهب . فمن وصى لأحد إخوته أو وهبه في مرضه ، فحدث له ولد صحتا إن خرجتا من الثلث ، لأنه عند الموت ليس بوارث . وإن وصى أو وهب مريض أخاه وله ابن فمات قبله وقفنا على إجازة باقي الورثة .

                                                                          ( و ) الاعتبار ( بإجازة ) وصية أوعطية ( أو رد ) لأحدهما ( بعده ) أي الموت ، وما قبل ذلك من رد أو إجازة لا عبرة به لأن الموت هو وقت لزوم الوصية ، والعطية في معناها ( ومن أجاز ) من ورثة عطية أو وصية وكانت جزءا ( مشاعا ) كنصف أو ثلثين ( ثم قال : إنما أجزت ) ذلك ( لأني ظننته ) أي المال المخلف ( قليلا ) ثم تبين أنه كثير ( قبل ) قوله ذلك ( بيمينه ) لأنه أعلم بحاله . والظاهر معه ( وله الرجوع بما زاد على ظنه ) لإجازته ما في ظنه . فإذا كان المال ألفا وظنه ثلاثمائة والوصية بالنصف . فقد أجاز السدس وهو خمسون فهي جائزة عليه مع ثلث الألف فلموصى له ثلاثمائة وثلاثة وثمانون وثلث والباقي للوارث ( إلا أن يكون [ ص: 459 ] المال ) المخلف ( ظاهرا لا يخفى ) على المجيز ( أو تقوم ) به ( بينة ) على المجيز ( بعلمه بقدره ) فلا يقبل قوله ولا رجوع له ( وإن كان ) المجاز من عطية أو وصية ( عينا ) كعبد معين ( أو ) كان ( مبلغا معلوما ) كمائة درهم أو عشرة دنانير ( أو قال ) مجيزه ( ظننت الباقي ) بعده ( كثيرا لم يقبل ) قوله . فلا رجوع له كما لو وهبه لأنه مفرط . وقال الشيخ تقي الدين : وإن قال : ظننت قيمته ألفا فبان أكثر قبل وليس نقضا للحكم بصحة الإجازة ببينة أو إقرار ، وقال : وإن أجاز وقال : أردت أصل الوصية قبل والله أعلم .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية