الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 143 ] الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين

لما أفهم قوله لعلهم يتذكرون أنهم لم يفعلوا ، ولم يكونوا عند رجاء الراجي عقب ذلك بهذه الجملة المستأنفة استئنافا بيانيا ؛ لأنها جواب لسؤال من يسأل هل تذكر غيرهم بالقرآن أو استوى الناس في عدم التذكر به . فأجيب بأن الذين أوتوا الكتاب من قبل نزول القرآن يؤمنون به إيمانا ثابتا .

والمراد بالذين أوتوا الكتاب طائفة معهودة من أهل الكتاب شهد الله لهم بأنهم يؤمنون بالقرآن ويتدبرونه ، وهم بعض النصارى ممن كان بمكة مثل ورقة بن نوفل ، وصهيب ، وبعض يهود المدينة مثل عبد الله بن سلام ، ورفاعة بن رفاعة القرظي ، ممن بلغته دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر النبيء إلى المدينة فلما هاجر أظهروا إسلامهم .

وقيل : أريد بهم وفد من نصارى الحبشة اثنا عشر رجلا بعثهم النجاشي لاستعلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فجلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وكان أبو جهل وأصحابه قريبا منهم يسمعون إلى ما يقولون فلما قاموا من عند النبي صلى الله عليه وسلم تبعهم أبو جهل ومن معه فقال لهم : خيبكم الله من ركب وقبحكم من وفد لم تلبثوا أن صدقتموه ، فقالوا : سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشدا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . وبه ظهر أنهم لما رجعوا أسلم النجاشي ، وقد أسلم بعض نصارى الحبشة لما وفد إليهم أهل الهجرة إلى الحبشة ، وقرءوا عليهم القرآن وأفهموهم الدين .

وضمير من قبله عائد إلى القول من ولقد وصلنا لهم القول ، وهو القرآن . وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في هم به يؤمنون لتقوي الخبر . وضمير الفصل مقيد للقصر الإضافي ، أي هم يوقنون بخلاف هؤلاء الذين وصلنا لهم القول .

[ ص: 144 ] ومجيء المسند مضارعا للدلالة على استمرار إيمانهم وتجدده .

وحكاية إيمانهم بالمضي في قوله آمنا به مع أنهم يقولون ذلك عند أول سماعهم القرآن : إما لأن المضي مستعمل في إنشاء الإيمان مثل استعماله في صيغ العقود ، وإما للإشارة إلى أنهم آمنوا به من قبل نزوله ، أي آمنوا بأنه سيجيء رسول بكتاب مصدق لما بين يديه ، يعني إيمانا إجماليا يعقبه إيمان تفصيلي عند سماع آياته . وينظر إلى هذا المعنى قوله إنا كنا من قبله مسلمين ، أي مصدقين بمجيء رسول الإسلام .

ويجوز أن يراد بـ " مسلمين " موحدين مصدقين بالرسل فإن التوحيد هو الإسلام كما قال إبراهيم فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

وجملة إنه الحق من ربنا في موقع التعليل لجملة آمنا به .

وجملة إنا كنا من قبله مسلمين بيان لمعنى آمنا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية