الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : خافضة رافعة .

                                                                                                                                                                                                                                      خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة رافعة ، ومفعول كل من الوصفين محذوف .

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض العلماء : تقديره هي خافضة أقواما في دركات النار ، رافعة أقواما إلى الدرجات العلى إلى الجنة ، وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة كقوله : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار [ 4 \ 145 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 510 ] ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا جنات عدن تجري من تحتها الأنهار [ 20 \ 75 - 76 ] ، وقوله تعالى : وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا [ 17 \ 21 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض العلماء : تقديره خافضة أقواما كانوا مرتفعين في الدنيا رافعة أقواما كانوا منخفضين في الدنيا ، وهذا المعنى تشهد له آيات من كتاب الله تعالى ، كقوله تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون إلى قوله : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون [ 83 \ 29 - 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض العلماء : تقديره خافضة بعض الأجرام التي كانت مرتفعة كالنجوم التي تسقط وتتناثر يوم القيامة ، وذلك خفض لها بعد أن كانت مرتفعة ، كما قال تعالى : وإذا الكواكب انتثرت [ 82 \ 2 ] ، وقال تعالى : وإذا النجوم انكدرت [ 81 \ 2 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      رافعة أي رافعة بعض الأجرام التي كانت منخفضة كالجبال التي ترفع من أماكنها وتسير بين السماء والأرض كما قال تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة [ 18 \ 47 ] ، فقوله : وترى الأرض بارزة ، لأنها لم يبق على ظهرها شيء من الجبال ، وقال تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب [ 27 \ 88 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا أن التحقيق الذي دل عليه القرآن أن ذلك يوم القيامة ، وأنها تسير بين السماء والأرض كسير السحاب الذي هو المزن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد صرح بأن الجبال تحمل هي والأرض أيضا يوم القيامة . وذلك في قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال الآية [ 69 \ 13 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا القول ، فالمراد تعظيم شأن يوم القيامة ، وأنه يختل فيه نظام العالم ، وعلى القولين الأولين ، فالمراد الترغيب والترهيب ، ليخاف الناس في الدنيا من أسباب الخفض في الآخرة فيطيعوا الله ويرغبوا في أسباب الرفع فيطيعوه أيضا ، وقد قدمنا مرارا أن الصواب في مثل هذا حمل الآية على شمولها للجميع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية