الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : يوم ترونها منتصب بما بعده قدم عليه اهتماما به ، والضمير للزلزلة ، أي : وقت رؤيتكم إياها ومشاهدتكم لهول مطلعها .

                                                                                                                                                                                                                                      تذهل كل مرضعة أي : مباشرة للإرضاع عما أرضعت أي : تغفل مع دهشة عما هي بصدد [ ص: 92 ] إرضاعه من طفلها الذي ألقمته ثديها ، والتعبير عنه بما دون "من" لتأكيد الذهول وكونه بحيث لا يخطر ببالها أنه ماذا لا أنها تعرف شيئته ، لكن لا تدري من هو بخصوصه . وقيل : "ما" مصدرية ، أي : تذهل عن إرضاعها ، والأول أدل على شدة الهول وكمال الانزعاج . وقرئ : "تذهل" من الإذهال مبنيا للمفعول أو مبنيا للفاعل مع نصب "كل" ، أي : تذهلها الزلزلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وتضع كل ذات حمل حملها أي : تلقى جنينها لغير تمام كما أن المرضعة تذهل عن ولدها لغير فطام ، وهذا ظاهر على قول علقمة والشعبي . وأما على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد قيل : إنه تمثيل لتهويل الأمر ، وفيه أن الأمر حينئذ أشد من ذلك وأعظم وأهول مما وصف وأطم . وقيل : إن ذلك يكون عند النفخة الثانية ، فإنهم يقومون على ما صعقوا في النفخة الأولى ، فتقوم المرضعة على إرضاعها والحامل على حملها ، ولا ريب في أن قيام الناس من قبورهم بعد النفخة الثانية لا قبلها حتى يتصور ما ذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      وترى الناس بفتح التاء والراء على خطاب كل أحد من المخاطبين برؤية الزلزلة ، والاختلاف بالجمعية والإفراد لما أن المرئي في الأول هي الزلزلة التي يشاهدها الجميع ، وفي الثاني حال من عدا المخاطب منهم فلا بد من افراد المخاطب على وجه يعم كل واحد منهم ، لكن من غير اعتبار اتصافه بتلك الحالة فإن المراد بيان تأثير الزلزلة في المرئي لا في الرائي باختلاف مشاعره لأن مداره حيثية رؤيته للزلزلة لا لغيرها ، كأنه قيل : ويصير الناس سكارى .. إلخ ، وإنما أوثر عليه ما في التنـزيل للإيذان بكمال ظهور تلك الحالة فيهم وبلوغها من الجلاء إلى حد لا يكاد يخفى على أحد ، أي : يراهم كل أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      سكارى أي : كأنهم سكارى وما هم بسكارى حقيقة ولكن عذاب الله شديد فيرهقهم هوله ويطير عقولهم ويسلب تمييزهم فهو الذي جعلهم كما وصفوا . وقرئ : "ترى" بضم التاء وفتح الراء مسندا إلى المخاطب من أريتك قائما أو رؤيتك قائما والناس منصوب ، أي : تظنهم سكارى . وقرئ برفع الناس على إسناد الفعل المجهول إليه والتأنيث على تأويل الجماعة . وقرئ "ترى" بضم التاء وكسر الراء ، أي : تري الزلزلة الخلق جميع الناس سكارى ، وقرئ : "سكرى" و "سكرى" كعطشى وجوعى إجراء للسكر مجرى العلل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية