الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          باب الاستنجاء من نجوت الشجرة ، أي قطعتها ، لأنه يقطع الأذى ، أو من النجوة ، وهي ما يرتفع من الأرض ، لأن قاضي الحاجة يستتر بها . قال في القاموس : واستطاب واستنجى ، كأطاب انتهى . فيسمى استطابة . وشرعا ( إزالة خارج ) معتاد وغيره ( من سبيل ) أصلي ، قبل أو دبر ( بماء ) طهور ( أو ) إزالة حكمه بما يقوم مقام الماء من ( حجر ونحوه ) كخشب وخزف ، ويسمى بالحجر استجمارا أيضا من الجمار ، وهي الحجارة الصغار .

                                                                          ( يسن لداخل خلاء ) بالمد ، أي ما أعد لقضاء الحاجة ، وأصله المكان الخالي ، يسمى به موضع الحاجة بخلائه في غير وقتها الذي لا شيء فيه ( ونحوه ) أي نحو داخل الخلاء ، كالمريد لقضاء الحاجة بنحو صحراء ( قول : بسم الله ) لحديث علي مرفوعا { ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف ، أن يقول : بسم الله } رواه ابن ماجه والترمذي ، وقال : ليس إسناده بالقوي .

                                                                          ( أعوذ بالله من الخبث ) بإسكان الباء ، قال أبو عبيدة ، وذكر القاضي عياض : أنه أكثر روايات الشيوخ ، وفسره بالشر ( والخبائث ) بالشياطين ، فكأنه استعاذ من الشر وأهله .

                                                                          وقال الخطابي : بل هو بضم الباء ، وهو جمع خبيث ، والخبائث جمع خبيثة ، وكأنه استعاذ من ذكران [ ص: 33 ] الشياطين وإناثهم . وقيل : الخبث الكفر ، والخبائث الشياطين ( الرجس ) القذر . ويحرك ، وتفتح الراء وتكسر الجيم قاله في القاموس ( النجس ) اسم فاعل من نجس .

                                                                          قال الفراء : إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إياه ، أي قالوه بكسر النون وسكون الجيم .

                                                                          ( الشيطان ) من شطن أي بعد ، ومنه دار شطون ، أي بعيدة لبعده من رحمة الله ، أو من شاط أي هلك ، لهلاكه بمعصية الله ( الرجيم ) إما بمعنى راجم ، لأنه يرجم غيره بالإغواء ، أو بمعنى مرجوم ، لأنه يرجم بالكواكب إذا استرق السمع . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } متفق عليه . وللبخاري " إذا أراد دخوله " .

                                                                          وفي رواية لمسلم " أعوذ بالله " وروى أبو أمامة مرفوعا { لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم } رواه ابن ماجه فما ذكره المصنف كالمقنع والبلغة : جمع بين الخبرين .

                                                                          ( و ) يسن لداخل خلاء ونحوه ( انتعاله وتغطية رأسه ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل المرفق لبس حذاءه وغطى رأسه الشريف } رواه ابن سعد عن حبيب بن صالح مرسلا ( و ) يسن له ( تقديم يسراه ) أي : رجله اليسرى ( دخولا ) ; لأنها لما خبث .

                                                                          وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة " من بدأ برجله اليمنى قبل يسراه إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر " ( و ) يسن ( اعتماده عليها ) أي : رجله اليسرى ( جالسا ) أي : حال جلوسه لقضاء الحاجة ، لحديث سراقة بن مالك { أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتكئ على اليسرى ، وأن ننصب اليمنى } رواه الطبراني والبيهقي ; ولأنه أسهل لخروج الخارج .

                                                                          ( و ) يسن له تقديم ( يمناه خروجا ) ; لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة ( كخلع ) أي : كما تقدم اليسرى في خلع نحو خف ونعل ، ونحو قميص ، وسراويل ( وعكسه ) أي : عكس ذلك ( مسجد ) ومنزل ( وانتعال ) ولبس نحو قميص وخف وسراويل ، فيقدم الأيمن على الأيسر ، لما روى الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى ، وإذا خلع فليبدأ باليسرى } .

                                                                          ( و ) يسن له إذا أراد قضاء الحاجة ( بفضاء بعد ) حتى لا يرى ، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد } رواه أبو داود .

                                                                          وعن أبي هريرة مرفوعا { من أتى الغائط فليستتر ، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به ، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم } [ ص: 34 ] من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج .

                                                                          ( و ) يسن له ( طلب مكان رخو ) بتثليث الراء - يبول فيه ، لحديث أبي موسى قال : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول ، فأتى دمثا في أصل جدار فبال ، ثم قال : إذا بال أحدكم فليرتد لبوله } رواه أحمد وأبو داود .

                                                                          وفي التبصرة : ويقصد مكانا علوا انتهى ، أي : لينحدر عنه البول ( و ) يسن له إن لم يجد مكانا رخوا ( لصق ذكره بصلب ) بضم الصاد ، أي : شديد ، ليأمن بذلك من رشاش البول ( وكره ) له ( رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض ) بلا حاجة إن لم يبل قائما ، لحديث أبي داود من طريق رجل لم يسمه ، وسماه بعضهم القاسم بن حمد - عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض } ولأنه أستر . .

                                                                          ( و ) كره له أيضا ( أن يصحب ما فيه اسم الله تعالى ) لحديث أنس { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه } رواه الخمسة إلا أحمد ، وصححه الترمذي ، وقد صح أن نقش خاتمه ( محمد رسول الله ) وتعظيما لاسم الله تعالى عن موضع القاذورات ( بلا حاجة ) بأن لم يجد من يحفظه ، وخاف ضياعه وجزم بعضهم بتحريمه بمصحف ، قال في الإنصاف : لا شك في تحريمه قطعا من غير حاجة ، ولا يتوقف في هذا عاقل .

                                                                          و ( لا ) يكره أن يصحب ( دراهم ونحوها ) كدنانير فيها اسم الله لمشقة التحرز عنها ومثلها حرز قاله صاحب النظم وأولى ( لكن يجعل فص خاتم ) احتاج أن يصحبه معه وفيه اسم الله ( بباطن كف ) يد ( يمنى ) نصا ، لئلا يمس النجاسة أو يقابلها .

                                                                          ( و ) يكره له أيضا ( استقبال شمس وقمر ) لما فيهما من نور الله تعالى ، .

                                                                          وروي أن معهما ملائكة . وأن أسماء الله مكتوبة عليهما .

                                                                          ( و ) يكره له استقبال ( مهب الريح ) لئلا يرد عليه البول ، فينجسه .

                                                                          ( و ) يكره له ( مس فرجه ) بيمينه ( واستجماره بيمينه ) لحديث أبي قتادة مرفوعا { لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه } متفق عليه .

                                                                          ولمسلم عن سلمان { نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا ، وأن نستنجي باليمين } . وكذا فرج أبيح له مسه ( بلا حاجة ) إلى مسه باليمين فإن كان من غائط أخذ الحجر بيساره فمسح به ومن بول أمسك ذكره بيساره فمسحه على الحجر ، ونحوه فإن احتاج إلى يمينه ( لصغر حجر تعذر وضعه بين عقبيه ) تثنية عقب ، ككتف مؤخر القدم ( أو ) تعذر وضعه بين ( إصبعيه ) أي إبهامي رجليه ( فيأخذه ) أي الحجر ( بها ) [ ص: 35 ] أي : بيمينه ( ويمسح بشماله ) فتكون اليسرى هي المحركة فإن كان أقطع اليسرى ، أو بها مرض ، استجمر بيمينه .

                                                                          قال في التلخيص : يمينه أولى من يسار غيره فإن أمكنه وضع الحجر بين عقبيه أو إبهاميه كره مسكه بيمينه ، لا الاستعانة بها في الماء للحاجة ( و ) يكره أيضا ( بوله في شق ) بفتح الشين .

                                                                          ( و ) بول في ( سرب ) بفتح السين والراء بيت يتخذه الوحش والدبيب في الأرض ، لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر } . قالوا لقتادة : ما يكره من البول في الجحر ؟ قال : يقال إنها مساكن الجن " رواه أحمد وأبو داود .

                                                                          وروي أن سعد بن عبادة رضي الله عنه بال بجحر بالشام ، ثم استلقى ميتا ، فسمع من بئر بالمدينة :

                                                                          نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ورميناه بسهم فلم تخط فؤاده

                                                                          فحفظوا ذلك اليوم ، فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد وخشية خروج دابة ببوله فتؤذيه ، أو ترده عليه فينجسه .

                                                                          ( و ) يكره بوله في ( إناء بلا حاجة ) نصا فإن كانت لم يكره ، لقول أميمة بنت رقيقة عن أمها { كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل } رواه أبو داود والعيدان بفتح العين : طوال النخل .

                                                                          ( و ) يكره بوله في ( مستحم غير مقير أو مبلط ) لحديث أحمد وأبي داود عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمشط أحدنا كل يوم ، أو يبول في مغتسله } . وقد روي { أن عامة الوسواس منه } رواه أبو داود ، وابن ماجه ، فإن كان مقيرا أو مبلطا أو نحوه ، وأرسل الماء عليه فلا بأس به ، وقد قيل : إن البصاق على البول يورث الوسواس ، وأن البول على النار يورث السقم .

                                                                          ( و ) يكره أن يبول ( في ماء راكد ) ولو كثيرا للنهي عنه في المتفق عليه وتقدم .

                                                                          ( و ) يكره بول في ماء ( قليل جار ) ; لأنه ينجسه ، لا في كثير جار ، لمفهوم تقييده النهي عن البول في الراكد .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية