الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الرابعة ]

[ في اعتبار حول الدين ]

وأما المسألة الرابعة - وهي اعتبار حول الدين إذا قلنا إن فيه الزكاة - : فإن قوما قالوا : يعتبر ذلك فيه من أول ما كان دينا يزكيه لعدة ذلك ، إن كان حولا فحول ، وإن كان أحوالا فأحوال - أعني : أنه إن كان حولا تجب فيه زكاة واحدة ، وإن أحوالا وجبت فيه الزكاة لعدة تلك الأحوال . -

وقوم قالوا : يزكيه لعام واحد ، وإن أقام الدين أحوالا عند الذي عنده الدين .

وقوم قالوا : يستقبل به الحول .

وأما من قال : يستقبل بالدين الحول من يوم قبض فلم يقل بإيجاب الزكاة في الدين .

ومن قال فيه : الزكاة بعدد الأحوال التي أقام فمصيرا إلى تشبيه الدين بالمال الحاضر .

وأما من قال : الزكاة فيه لحول واحد وإن أقام أحوالا ، فلا أعرف له مستندا في وقتي هذا ، لأنه لا يخلو ما دام دينا أن يقول : إن فيه زكاة أو لا يقول ذلك ، فإن لم يكن فيه زكاة فلا كلام بل يستأنف به ، وإن كان فيه زكاة فلا يخلو أن يشترط فيها الحول أو لا يشترط ذلك ، فإن اشترطنا وجب أن يعتبر عدد الأحوال إلا أن يقول كلما انقضى حول فلم يتمكن من أدائه سقط عنه ذلك الحق اللازم في ذلك الحول ، فإن الزكاة وجبت بشرطين : حضور عين المال ، وحلول الحول ، فلم يبق إلا حق العام الأخير ، وهذا يشبهه مالك بالعروض التي للتجارة ، فإنها لا تجب عنده فيها زكاة إلا إذا باعها وإن أقامت عنده أحوالا كثيرة ، وفيه ما شبه بالماشية التي لا يأتي الساعي أعواما إليها ثم يأتي فيجدها قد انقضت ، فإنه يزكي على مذهب مالك الذي وجد فقط ؛ لأنه لما أن حال عليها الحول فيما تقدم ولم يتمكن من إخراج الزكاة إذ كان مجيء الساعي شرطا عنده في إخراجها مع حلول الحول سقط عنه حق ذلك الحول الحاضر وحوسب به في الأعوام السالفة ، كان الواجب فيها أقل أو أكثر إذا كانت مما تجب فيه الزكاة ، وهو شيء يجري على غير قياس ، وإنما اعتبر مالك فيه العمل .

وأما الشافعي : فيراه ضامنا لأنه ليس مجيء الساعي شرطا عنده في الوجوب ، وعلى هذا كل من رأى [ ص: 229 ] أنه لا يجوز أن يخرج زكاة ماله إلا بأن يدفعها إلى الإمام فعدم الإمام ، أو عدم الإمام العادل إن كان ممن شرط العدالة في ذلك ، أنه إذا هلكت بعد انقضاء الحول وقبل التمكن من دفعها إلى الإمام فلا شيء عليه .

ومالك تنقسم عنده زكاة الديون لهذه الأحوال - أعني : أن من الديون عنده ما يزكى لعام واحد فقط مثل ديون التجارة ، ومنها ما يستقبل بها الحول مثل ديون المواريث والثالث دين المدير - وتحصيل قوله في الديون ليس بغرضنا .

المسألة الخامسة

وهي حول العروض

وقد تقدم القول فيها عند القول في نصاب العروض .

التالي السابق


الخدمات العلمية