الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  602 24 - حدثنا معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فليؤذن لكم أحدكم ".

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة: الأول: معلى بن أسد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة أبو الهيثم البصري العمري، أخو بهز بن أسد، مات بالبصرة في شهر رمضان سنة ثمان عشرة ومائتين.

                                                                                                                                                                                  الثاني: وهيب مصغر وهب، ابن خالد البصري الكرابيسي وقد تقدم.

                                                                                                                                                                                  الثالث: أيوب السختياني وقد تقدم غير مرة.

                                                                                                                                                                                  الرابع: أبو قلابة بكسر القاف عبد الله بن زيد .

                                                                                                                                                                                  الخامس: مالك بن الحويرث مصغر الحارث بالثاء المثلثة ابن أشيم الليثي .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه: القول في موضعين، وفيه: أن رواته كلهم بصريون، وفيه: رواية التابعي عن التابعي على قول من قال: إن أيوب رأى أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن سليمان بن حرب، وفي خبر الواحد عن محمد بن المثنى، وفي الأدب عن مسدد، وفي الصلاة أيضا عن محمد بن يوسف، وفيه: وفي الجهاد عن أحمد بن يونس، وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن زهير بن حرب، وعن أبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام، وعن إسحاق بن إبراهيم، وعن أبي سعيد [ ص: 143 ] الأشبح، وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد . وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان، وأخرجه النسائي فيه عن حاجب بن الوليد، وعن زياد بن أيوب، وعن علي بن حجر، وأخرجه ابن ماجه فيه عن بشر بن هلال الصواف .

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " في نفر " بفتح الفاء عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفير مثله ولا واحد له من لفظه، وسموا بذلك لأنهم إذا حزبهم أمر اجتمعوا ثم نفروا إلى عدوهم، وفي (الواعي) ولا يقولون عشرون نفرا ولا ثلاثون نفرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من قومي " هم بنو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة .

                                                                                                                                                                                  قوله: " " فأقمنا عنده " أي: عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة المراد بأيامها؛ بدليل الرواية الثانية في الباب " بعد عشرين يوما وليلة ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " وكان " أي: النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " رحيما " بمعنى ذا رحمة وشفقة ورقة قلب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " رقيقا " بقافين في رواية الأصيلي، قيل: والكشميهني أيضا ومعناه كان رقيق القلب، وفي رواية غيرهما " رفيقا " بالفاء أولا ثم بالقاف من الرفق، وقال النووي : رواية البخاري بوجهين بالقافين وبالفاء والقاف، ورواية مسلم بالقافين خاصة، وقال ابن قرقول : رواية القابسي بالفاء والأصيلي وأبي الهيثم بالقاف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلى أهلينا " هو جمع أهل والأهل من النوادر حيث يجمع مكسرا نحو الأهالي ومصححا بالواو والنون نحو الأهلون وبالألف والتاء نحو الأهلات.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ارجعوا " من الرجوع لا من الرجع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وصلوا " زاد في رواية إسماعيل ابن علية عن أيوب: " كما رأيتموني أصلي ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا حضرت الصلاة " يعني إذا حان وقتها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فليؤذن لكم أحدكم " (فإن قلت): في الرواية الآتية في الباب الذي يليه في حديث مالك بن الحويرث أيضا " إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما " وبينهما تعارض ظاهر.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قيل: معناه من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل وفيه نظر، وقال الكرماني : قد يقال: فلان قتله بنو تميم مع أن القاتل واحد منهم، وكذا في الإنشاء، يقال: يا تميم اقتلوه.

                                                                                                                                                                                  (قلت): حاصله أن التثنية تذكر ويراد به الواحد مثل قوله:

                                                                                                                                                                                  قفا نبك ومراده الخطاب للواحد وكذلك يأتي في الجمع، وقال التيمي : المراد من قوله: أذنا الفضل وإلا فأذان الواحد يجزئ.

                                                                                                                                                                                  (ذكر اختلاف ألفاظ هذا الحديث) الرواية هاهنا " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي " وعن خالد بن أبي قلابة في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال: " إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما " وفي باب: " الاثنان فما فوقهما جماعة إذا حضرت الصلاة فأذنا " الحديث، وفي باب: " إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم " قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، وفيه: " لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا، وفي إجازة خبر الواحد، فلما ظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي " الحديث، وفي باب: رحمة الناس والبهائم نحوه، وعند أبي داود : " كنا يومئذ متقاربين في العلم " وفي رواية لأبي قلابة : " فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين وفي رواية ابن حزم : " متقارنين " بالنون في الموضعين من المقارنة، يقال: فلان قرين فلان إذا كان قرينه في السن وكذا إذا كان في العلم، وقال القرطبي : يحتمل أن تكون هذه الألفاظ المتعددة كانت منه في وفادتين أو في وفادة واحدة غير أن النقل تكرر منه ومن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) فيه الأمر بأذان للجماعة وهو عام للمسافر وغيره وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر إلا عطاء، فإنه قال: إذا لم يؤذن ولم يقم أعاد الصلاة وإلا مجاهدا فإنه قال: إذا نسي الإقامة أعاد وأخذا بظاهر الأمر وهو: أذنا وأقيما. وقيل: الإجماع صارف عن الوجوب، وفيه نظر وحكى الطبري عن مالك أنه يعيد إذا ترك الأذان ومشهور مذهبه الاستحباب، وفي (المختصر) عن مالك ولا أذان على مسافر، وإنما الأذان على من يجتمع إليه لتأذينه وبوجوبه على المسافر، قال داود : قالت طائفة: هو مخير إن شاء أذن وأقام، وروي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه، وهو قول عروة والثوري والنخعي، وقالت طائفة: تجزيه الإقامة، روي ذلك عن مكحول والحسن والقاسم وكان ابن عمر يقيم في السفر لكل صلاة إلا الصبح، فإنه كان يؤذن لها ويقيم، وقال قاضيان من أصحابنا: رجل صلى في سفر أو في بيته بغير أذان وإقامة يكره، قال: فالكراهة مقصورة على المسافر، ومن صلى في بيته فالأفضل له أن يؤذن ويقيم ليكون على هيئة الجماعة، ولهذا كان الجهر بالقراءة في [ ص: 144 ] حقه أفضل وقال القرطبي في قوله: " ثم ليؤمكما أكبركما " يدل على تساويهما في شروط الإمامة ورجح أحدهما بالسن.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لأن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال لأنهم هاجروا جميعا، وأسلموا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه فلم يبق ما يقدم به إلا السن.

                                                                                                                                                                                  وفيه حجة لأصحابنا في تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " ليؤمكما أكبركما " خص الإمامة بالأكبر.

                                                                                                                                                                                  وفيه: دليل على أن الجماعة تصح بإمام ومأموم وهو إجماع المسلمين.

                                                                                                                                                                                  وفيه: الحض على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر .

                                                                                                                                                                                  وفيه: أن الأذان والجماعة مشروعان على المسافرين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية