الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3243 ) فصل : ولا يخلو إما أن يحضر المسلم فيه على صفته ، أو دونها ، أو أجود منها . فإن أحضره على صفته ، لزم قبوله ; لأنه حقه . وإن أتى به دون صفته ، لم يلزمه قبوله ; لأن فيه إسقاط حقه ، فإن تراضيا على ذلك وكان من جنسه ، جاز ، وإن كان من غير جنسه ، لم يجز ; لما تقدم . وإن اتفقا على أن يعطيه دون حقه ، ويزيده شيئا ، لم يجز ; لأنه أفرد صفة الجودة بالبيع ، وذلك لا يجوز ، ولأن بيع المسلم فيه قبل قبضه غير جائز ، فبيع وصفه [ ص: 204 ] أولى .

                                                                                                                                            الثالث ، أن يحضره أجود من الموصوف ، فينظر فيه ; فإن أتاه به من نوعه ، لزمه قبوله ; لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة تابعة له ، فينفعه ولا يضره ، إذ لا يفوته غرض . فإن أتاه به من نوع آخر ، لم يلزمه قبوله ; لأن العقد تناول ما وصفاه على الصفة التي شرطاها ، وقد فات بعض الصفات ، فإن النوع صفة ، وقد فات ، فأشبه ما لو فات غيره من الصفات . وقال القاضي : يلزمه قبوله ; لأنهما جنس واحد يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة ، فأشبه الزيادة في الصفة مع اتفاق النوع .

                                                                                                                                            والأول أجود ; لأن أحدهما يصلح لما لا يصلح له الآخر ، فإذا فوته عليه ، فوت عليه الغرض المتعلق به ، فلم يلزمه قبوله ، كما لو فوت عليه صفة الجودة . وهذا مذهب الشافعي . فإن تراضيا على أخذ النوع بدلا عن النوع الآخر ، جاز ; لأنهما جنس واحد لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة ، فجاز أخذ أحدهما عن الآخر ، كالنوع الواحد . وقال بعض أصحاب الشافعي : لا يجوز له أخذه ; للمعنى الذي منع لزوم أخذه . وقال إبراهيم : لا تأخذ فوق سلمك في كيل ولا صفة .

                                                                                                                                            ولنا ، أنهما تراضيا على دفع المسلم فيه من جنسه ، فجاز ، كما لو تراضيا على دفع الرديء مكان الجيد ، أو الجيد مكان الرديء ، وبهذا ينتقض ما ذكروه ; فإنه لا يلزم أخذ الرديء ، ويجوز أخذه . ولأن المسلم أسقط حقه من النوع ، فلم يبق بينهما إلا صفة الجودة ، وقد سمح بها صاحبها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية