الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4733 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [87 - 88] ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنـزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنـزلت إليك أي: عن تبليغها بعد إنزالها، والأمر بالصدع بها لضيق صدرك من مكرهم. فإن الله معك، ومعل كلمتك ومؤيد دينك. ولذا قال: وادع إلى ربك أي: إلى عبادته وحده لا شريك له: ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر

                                                                                                                                                                                                                                      قال القاضي: هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين من مساعدته لهم. أي: لأنه لا يتصور منه ذلك حتى ينهى عنه. فكأنه لما نهاه عن مظاهرتهم ومداراتهم، قال إن ذلك مبغوض لي كالشرك. فلا تكن ممن يفعله. أو المراد نهي أمته، وإن كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم. كذا في (العناية).

                                                                                                                                                                                                                                      لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه أي: إياه و(الوجه) يعبر به عن الذات كما قال: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وفي قوله تعالى: هالك وجوه: حمله على المستقبل، أو هو عرضة للهلاك والعدم، أو هالك في حد ذاته، لأن وجوده ليس ذاتيا بل لاستناده إلى واجب الوجود، فهو بالقوة وبالذات معدوم حالا. والمراد بالمعدوم ما ليس له وجود ذاتي. لأن وجود غيره كلا وجود. إذ هو في كل آن قابل للعدم. وعن مجاهد والثوري : (إلا وجهه) أي: ما أريد به وجهه. حكاه البخاري في (صحيحه).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4734 ] قال ابن جرير : ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      أستغفر الله ذنبا، لست محصيه رب العباد، إليه الوجه والعمل



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : وهذا القول لا ينافي القول الأول. فإن هذا إخبار عن كل الأعمال، بأنها باطلة، إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وفيه بعد وتكلف يذهب رونق النظم، وماء الفصاحة. لا سيما وآي التنزيل يفسر بعضها بعضا. والآية الثانية التي ذكرناها بمعنى هذه. وتلك لا تحتمل ذاك المعنى، فكذا هذه: له الحكم أي: القضاء النافذ في الخلق: وإليه ترجعون أي: يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية