الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            النوع الخامس : من النعم المذكورة ههنا قوله :( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ) وفيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الزجاج :( إذ ) في موضع نصب ، والتقدير : وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام حال ما يوحي إلى الملائكة بكذا وكذا ، ويجوز أن يكون على تقدير اذكروا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قوله :( أني معكم ) فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون المراد أنه تعالى أوحى إلى الملائكة أني مع المؤمنين فانصروهم وثبتوهم ، وهذا الثاني أولى لأن المقصود من هذا الكلام إزالة التخويف ، والملائكة ما كانوا يخافون الكفار ، وإنما الخائف هم المسلمون .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( فثبتوا الذين آمنوا ) واختلفوا في كيفية هذا التثبيت على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله ناصر المؤمنين ، والرسول عرف المؤمنين ذلك ، فهذا هو التثبيت .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الشيطان كما يمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان ، فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهام إليه فهذا هو التثبيت في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن الملائكة كانوا يتشبهون بصور رجال من معارفهم وكانوا يمدونهم بالنصر والفتح والظفر .

                                                                                                                                                                                                                                            والنوع السادس من النعم المذكورة في هذه الآية : قوله :( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) وهذا من النعم الجليلة ، وذلك لأن أمير النفس هو القلب ، فلما بين الله تعالى أنه ربط قلوب المؤمنين بمعنى أنه قواها وأزال الخوف عنها ذكر أنه ألقى الرعب والخوف في قلوب الكافرين ، فكان ذلك من أعظم نعم الله على المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى :( فاضربوا فوق الأعناق ) ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه أمر للملائكة متصل بقوله تعالى :( فثبتوا ) وقيل : بل أمر للمؤمنين ، وهذا هو الأصح لما بينا أنه تعالى ما أنزل الملائكة لأجل المقاتلة والمحاربة . واعلم أنه تعالى لما بين أنه حصل في حق المسلمين جميع موجبات النصر والظفر ، فعند هذا أمرهم بمحاربتهم .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي قوله :( فاضربوا فوق الأعناق ) قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن ما فوق العنق هو الرأس ، فكان هذا أمرا بإزالة الرأس عن الجسد .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن قوله :( فاضربوا فوق الأعناق ) أي فاضربوا الأعناق .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( واضربوا منهم كل بنان ) يعني الأطراف من اليدين والرجلين ، ثم اختلفوا فمنهم من قال المراد أن يضربوهم كما شاءوا ، لأن ما فوق العنق هو الرأس ، وهو أشرف الأعضاء ، والبنان عبارة عن أضعف الأعضاء ، فذكر الأشرف والأخس تنبيها على كل الأعضاء ، ومنهم من قال : بل المراد إما القتل ، وهو ضرب ما فوق الأعناق ، أو قطع البنان ، لأن الأصابع هي الآلات في أخذ السيوف والرماح وسائر الأسلحة ، فإذا قطع بنانهم عجزوا عن المحاربة .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الوجوه الكثيرة من النعم على المسلمين ، قال :( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) والمعنى : أنه تعالى ألقاهم في الخزي والنكال من هذه الوجوه الكثيرة بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله . قال الزجاج :( شاقوا ) جانبوا ، وصاروا في شق غير شق المؤمنين ، والشق الجانب و( شاقوا الله ) مجاز ، والمعنى : شاقوا أولياء الله ودين الله .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) يعني أن هذا الذي نزل بهم في ذلك اليوم شيء قليل مما أعده الله لهم من العقاب في القيامة ، والمقصود منه الزجر عن الكفر والتهديد عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية