الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                مما جرى في المجالس الثلاثة المعقودة للمناظرة في أمر الاعتقاد وكذلك لما جاء ذكر الإيمان بالقدر وأنه على درجتين إلى غير ذلك مما فيها من القواعد الجليلة . وكذا لما جاء ذكر الكلام في الفاسق الملي وفي الإيمان ، لكن اعترض على ذلك بما سأذكره .

                [ ص: 177 ] وكان مجموع ما اعترض به المنازعون المعاندون بعد انقضاء قراءة جميعها والبحث فيها عن أربعة أسئلة : - الأول : قولنا ومن أصول الفرقة الناجية : أن الإيمان والدين قول وعمل يزيد وينقص قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح . قالوا : فإذا قيل إن هذا من أصول الفرقة الناجية خرج عن الفرقة الناجية من لم يقل بذلك : مثل أصحابنا المتكلمين الذين يقولون إن الإيمان هو التصديق ومن يقول الإيمان هو التصديق والإقرار وإذا لم يكونوا من الناجين : لزم أن يكونوا هالكين .

                وأما الأسئلة الثلاثة : وهي التي كانت عمدتهم فأوردوها على قولنا وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله : الإيمان بما أخبر الله في كتابه وتواتر عن رسول الله وأجمع عليه سلف الأمة ، من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه علي على خلقه وهو معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون كما جمع بين ذلك في قوله تعالى { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير } .

                وليس معنى قوله : { وهو معكم } أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجبه اللغة وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق [ ص: 178 ] بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر أينما كان وغير المسافر ، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع إليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته .

                وكل هذا الكلام الذي ذكره الله تعالى من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان على الظنون الكاذبة .

                السؤال الثاني : قال بعضهم : نقر باللفظ الوارد مثل حديث العباس حديث الأوعال والله فوق العرش ، ولا نقول فوق السموات ولا نقول على العرش .

                وقالوا أيضا : نقول : { الرحمن على العرش استوى } ولا نقول الله على العرش استوى ولا نقول مستو وأعادوا هذا المعنى مرارا ، أي أن اللفظ الذي ورد يقال اللفظ بعينه ولا يبدل بلفظ يرادفه ولا يفهم له معنى أصلا .

                ولا يقال : إنه يدل على صفة لله أصلا ، ونبسط الكلام في هذا في المجلس الثاني كما سنذكره إن شاء الله تعالى .

                السؤال الثالث : قالوا : التشبيه بالقمر فيه تشبيه كون الله في السماء بكون القمر في السماء .

                السؤال الرابع : قالوا : قولك حق على حقيقته الحقيقة هي المعنى اللغوي ولا يفهم من الحقيقة اللغوية إلا استواء الأجسام وفوقيتها ، ولم تضع العرب ذلك إلا لها ، فإثبات الحقيقة هو محض التجسيم ونفي التجسيم مع هذا تناقض أو مصانعة [ ص: 179 ] فأجبتهم عن الأسئلة بأن قولي اعتقاد الفرقة الناجية هي الفرقة التي وصفها النبي بالنجاة حيث قال : " { تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي } .

                فهذا الاعتقاد : هو المأثور عن النبي وأصحابه رضي الله عنهم وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية فإنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه قال : الإيمان يزيد وينقص وكل ما ذكرته في ذلك فإنه مأثور عن الصحابة بالأسانيد الثابتة لفظه ومعناه وإذا خالفهم من بعدهم لما يضر في ذلك .

                ثم قلت لهم : وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته ، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك : فهذا أولى ، بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا وقد لا يكون ناجيا كما يقال من صمت نجا .

                وأما السؤال الثاني : فأجبتهم أولا بأن كل لفظ قلته فهو مأثور عن النبي مثل لفظ فوق السموات ولفظ على العرش وفوق [ ص: 180 ] العرش وقلت : اكتبوا الجواب فأخذ الكاتب في كتابته ، ثم قال بعض الجماعة : قد طال المجلس اليوم فيؤخر هذا إلى مجلس آخر وتكتبون أنتم الجواب وتحضرونه في ذلك المجلس .

                فأشار بعض الموافقين بأن يتمم الكلام بكتابة الجواب ، لئلا تنتشر أسئلتهم واعتراضهم وكان الخصوم لهم غرض في تأخير كتابة الجواب ليستعدوا لأنفسهم ويطالعوا ويحضروا من غاب من أصحابهم ويتأملوا العقيدة فيما بينهم ، ليتمكنوا من الطعن والاعتراض ، فحصل الاتفاق على أن يكون تمام الكلام يوم الجمعة وقمنا على ذلك .

                وقد أظهر الله من قيام الحجة وبيان المحجة : ما أعز الله به السنة والجماعة وأرغم به أهل البدعة والضلالة وفي نفوس كثير من الناس أمور لما يحدث في المجلس الثاني وأخذوا في تلك الأيام يتأملونها ويتأملون ما أجبت به في مسائل تتعلق بالاعتقاد مثل المسألة الحموية في الاستواء والصفات الخبرية وغيرها .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية