الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وفي هذه الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أنه تعالى حكم عليهم بالتولي عن الدلائل وبالإعراض عن الحق وأنهم لا يقبلونه البتة ، ولا ينتفعون به البتة . فنقول : وجب أن يكون صدور الإيمان منهم محالا ، لأنه لو صدر الإيمان لكان إما أن يوجد ذلك الإيمان مع بقاء هذا الخبر صدقا أو مع انقلابه كذبا ، والأول محال ، لأن وجود الإيمان مع الإخبار بعدم الإيمان جمع بين النقيضين وهو محال .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني محال ، لأن انقلاب خبر الله الصدق كذبا محال ، لا سيما في الزمان الماضي المنقضي ، وهكذا القول في انقلاب علم الله جهلا ، وتقريره سبق مرارا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : النحويون يقولون : كلمة( ولو ) وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لأجل انتفاء غيره ، فإذا قلت : لو جئتني لأكرمتك ، أفاد أنه ما حصل المجيء ، وما حصل الإكرام . ومن الفقهاء من قال : إنه لا يفيد إلا الاستلزام ، فأما الانتفاء لأجل انتفاء الغير ، فلا يفيده هذا اللفظ والدليل عليه الآية والخبر ، أما الآية ، فهي هذه الآية ، وتقريره : أن كلمة( ولو ) لو أفادت ما ذكروه لكان قوله :( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) يقتضي أنه تعالى ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم . ثم قال :( ولو أسمعهم لتولوا ) فيكون معناه : أنه ما أسمعهم وأنهم ما تولوا ؛ لكن عدم التولي خير من الخيرات ، فأول الكلام يقتضي نفي الخير ، وآخره يقتضي حصول الخير ، وذلك متناقض . فثبت أن القول بأن كلمة( ولو ) تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره يوجب هذا التناقض ، فوجب أن [ ص: 117 ] لا يصار إليه . وأما الخبر فقوله عليه السلام : "نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " فلو كانت لفظة "لو" تفيد ما ذكروه لصار المعنى أنه خاف الله وعصاه ، وذلك متناقض . فثبت أن كلمة( ولو ) لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، وإنما تفيد مجرد الاستلزام .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذا الدليل أحسن إلا أنه على خلاف قول جمهور الأدباء .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أن معلومات الله تعالى على أربعة أقسام :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : جملة الموجودات .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : جملة المعدومات .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن كل واحد من الموجودات لو كان معدوما فكيف يكون حاله .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن كل واحد من المعدومات لو كان موجودا كيف يكون حاله ، والقسمان الأولان علم بالواقع ، والقسمان الثانيان علم بالمقدر الذي هو غير واقع ، فقوله :( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) من القسم الثاني وهو العلم بالمقدرات ، وليس من أقسام العلم بالواقعات ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن المنافقين :( لئن أخرجتم لنخرجن معكم )( وإن قوتلتم لننصرنكم ) [الحشر : 11] وقال تعالى :( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ) [الحشر : 12] فعلم تعالى في المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله ، وأيضا قوله :( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) فأخبر عن المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية