الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        30177 - قال مالك ، في الذي يشتري الطعام فيكتاله ، ثم يأتيه من يشتريه منه ، فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه ، فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله : إن ما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به . وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه . حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه .

                                                                                                                        30178 - وإنما كره الذي إلى أجل ؛ لأنه ذريعه إلى الربا . وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل ولا وزن ، فإن كان إلى أجل فهو مكروه ، ولا اختلاف فيه عندنا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30179 - قال أبو عمر : اختلاف العلماء في هذه المسألة في البيع كهذا في السلم .

                                                                                                                        30180 - وكذلك روى ابن القاسم ، وغيره عن مالك ، قال : إذا قال المسلم [ ص: 275 ] إليه للمسلم : هذا قد كلته ، وصدقه المسلم جاز له أن يأخذه بذلك الكيل .

                                                                                                                        30181 - وكذلك لو كان المسلم الذي اشتراه من غيره ، وقبضه ، جاز للمسلم أخذه بذلك .

                                                                                                                        30182 - قال أبو عمر : الذي كرهه مالك ، في البيع إلى أجل ، وجعله ذريعة إلى الربا ، معناه أنه لم يصدقه إلا من أجل الأجل . فكأنه أخذ الأجل ثمنا ؛ لأنه يمكن أن يكون دون ما قاله له من الكيل ، فرضي بذلك الأجل ، فصار كذلك إذا كان ربا ، لما وصفنا ، ولهذا ، والله أعلم ، أدخل مالك هذه المسألة في باب الربا في الدين .

                                                                                                                        30183 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد : إذا اكتال المسلم إليه كراء لنفسه من بائعه ثم سلمه إلى المسلم بغير كيل ، لم يجز ذلك ، وليس له أن يبيعه ولا يتصرف فيه بأكل ولا غيره ، حتى يكتاله .

                                                                                                                        30184 - قال أبو عمر : أصلهم في هذا أنه لما كان المصدق القابض لما ابتاعه من الطعام من سلم أو غيره ، لا يجوز له أن يبيعه حتى يكتاله بحديث ابن عباس أنه قال : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله .

                                                                                                                        [ ص: 276 ] 30185 - وهذا عندهم تفسير معنى حديث ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تبعه حتى تستوفيه " .

                                                                                                                        30186 - والاستيفاء لا يكون إلا بكيل فيما بيع كيلا كان كذلك سائر التصرف .

                                                                                                                        30187 - ودل على أن من لم يكتل ولم يستوف على ذلك ، لا يصح قبضه معلوما لإمكان الزيادة فيه والنقصان .

                                                                                                                        30188 - وقال الشافعي : فإن هلك الطعام فذلك الطعام في يد المشتري قبل أن يكيله ، فالقول قوله في الكيل مع يمينه .

                                                                                                                        30189 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إن استهلكه المشتري وتصادفا أنه كراء كان مستوفيا .

                                                                                                                        30190 - وقال الحسن بن حي : إن استهلكه المشتري ضمنه قيمته ، كالبيع الفاسد .

                                                                                                                        30191 - وقال أبو ثور : القول فيه قول المشتري مع يمينه ، ويرجع عليه بما بقي وإن باعه كان بيعه جائزا .

                                                                                                                        30192 - وروى ابن وهب في " موطئه " عن مالك أنه سئل عن رجل ابتاع [ ص: 277 ] من رجل طعاما ، وأخذه بكيله الأقل وصدقه فيه ، فلما جاز به كاله ، فوجد فيه زيادة إردب ، أو إردبين، أترى أن يرد ذلك على البائع ؟ قال : إن كان ذلك شيئا بينا ، فنعم . 30193 - قال أبو عمر : يعني أنه ما زاد على أنه يمكن أن يكون بين الكيلين ، فعليه رده ، وما كان معهودا مثله بين الأكيال ، فليس عليه رده ، وأما إن وجده ناقصا فالقول قول البائع عند مالك مع يمينه ؛ لأنه قد صدقه المشتري إذا قبضه منه بقوله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية