الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر حال دبيس وما كان منه

لما كان منه ببغداذ وسوادها من النهب والقتل والفساد ما لم يجر مثله أرسل إليه الخليفة المسترشد بالله رسالة ينكر عليه ، ويأمره بالكف ، فلم يفعل ، فأرسل إليه السلطان وطيب قلبه ، وأمره بمنع أصحابه عن الفساد ، فلم يقبل ، وسار بنفسه إلى بغداذ ، وضرب سرادقه بإزاء دار الخلافة ، وأظهر الضغائن التي في نفسه ، وكيف طيف برأس أبيه ، وتهدد الخليفة ، وقال : إنك أرسلت تستدعي السلطان ، فإن أعدتموه ، وإلا فعلت وصنعت . فأعيد جواب رسالته : أن عود السلطان ، وقد سار عن همذان ، غير ممكن ، ولكنا نصلح حالك معه .

وكان الرسول شيخ الشيوخ إسماعيل ، فكف على أن تسير الرسل في الاتفاق بينه وبين السلطان ، وعاد عن بغداذ في رجب .

ووصل السلطان في رجب إلى بغداذ ، فأرسل دبيس زوجته ابنة عميد الدولة بن جهير إليه ، ومعها مال كثير ، وهدية نفيسة ، وسأل الصفح عنه فأجيب إلى ذلك على [ ص: 652 ] قاعدة امتنع منها ، ولزم لجاجه ، ونهب جشيرا للسلطان . فسار السلطان عن بغداذ ، في شوال ، إلى قصد دبيس بالحلة ، واستصحب ألف سفينة ليعبر فيها ، فلما علم دبيس مسير السلطان أرسل يطلب الأمان ، فأمنه ، وكان قصده أن يغالطه ليتجهز ، فأرسل نساءه إلى البطيحة ، وأخذ أمواله وسار عن الحلة ، بعد أن نهبها ، إلى إيلغازي ملتجئا إليه ، ووصل السلطان إلى الحلة ، فلم ير أحدا ، فبات بها ليلة واحدة وعاد .

وأقام دبيس عند إيلغازي ، وتردد معه ، ثم إنه أرسل أخاه منصورا في جيش من قلعة جعبر إلى العراق ، فنظر الحلة ، والكوفة ، وانحدر إلى البصرة ، وأرسل إلى يرنقش الزكوي يسأله أن يصلح حاله مع السلطان ، فلم يتم أمره ، فأرسل إلى أخيه دبيس يعرفه ذلك ، ويدعوه إلى العراق ، فسار من قلعة جعبر إلى الحلة سنة خمس عشرة وخمسمائة ، فدخلها وملكها ، وأرسل إلى الخليفة والسلطان يعتذر ، ويعد من نفسه الطاعة ، فلم يجب إلى ذلك .

وسيرت إليه العساكر ، فلما قاربوه فارق الحلة ، ودخل إلى الأزبر ، وهو نهر سنداد ، ووصل العسكر إليها وهي فارغة قد أجلي أهلها عنها وليس بها إقامة فكانت الميرة تنقل من بغداذ ، وكان مقدم العسكر سعد الدولة يرنقش الزكوي ، فترك بالحلة خمسمائة فارس ، وبالكوفة جماعة أخرى تحفظ الطريق على دبيس ، وأرسل إلى عسكر واسط يحفظ طريق البطيحة ففعلوا ذلك ، وعبر عسكر السلطان إلى دبيس ، فبقي بين الطائفتين نهر يخاض فيه مواضع ، فتراسل يرنقش ودبيس ، واتفقا على أن يرسل دبيس أخاه منصورا رهينة ، ويلازم الطاعة ، ففعل ، وعاد العسكر إلى بغداذ سنة ست عشرة وخمسمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية