الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                والنوع الثاني أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل ليكون العقد مفيدا فلا تجوز الكفالة بالحدود والقصاص لتعذر الاستيفاء من الكفيل فلا تفيد الكفالة فائدتها وههنا شرط ثالث لكنه يخص الدين وهو أن يكون لازما فلا تصح الكفالة عن المكاتب لمولاه ببدل الكتابة لأنه ليس بدين لازم لأن المكاتب يملك إسقاط الدين عن نفسه بالتعجيز لا بالكسب فلو أجزنا الكفالة ببدل الكتابة لكان لا يخلو ( إما ) أن يملك الكفيل إسقاطه عن نفسه كما يملك الأصيل ( وإما ) أن لا يملك فإن ملك لا تفيد الكفالة وإن لم يملك لم يكن هذا التزام ما على الأصيل فلا يتحقق التصرف كفالة ولأنا لو أجزنا هذه الكفالة لكان الدين على الكفيل ألزم منه على الأصيل لأن المكاتب إذا مات عاجزا بطل عنه الدين .

                                                                                                                                ولو مات الكفيل عاجزا مفلسا لم يبطل عنه الدين فكان الحق على الكفيل ألزم منه على الأصيل وهذا خلاف ما توجبه الأصول ولأن الكفالة جوازها بالعرف فلا تجوز فيما لا عرف فيه ولا عرف في الكفالة ببدل الكتابة وكذا لا تجوز الكفالة عن المكاتب لمولاه بسائر الديون سوى دين الكتابة لأن غيره من الديون إنما وجب للمولى عليه بمشيئته ألا ترى أنه لولا لزوم الكتابة عليه لما وجب عليه دين آخر فكان دين الكتابة أصلا لوجوب دين آخر عليه فلما لم تجز الكفالة بالأصل فلأن لا تجوز بالفرع أولى وأحرى .

                                                                                                                                ولا تجوز الكفالة ببدل السعاية عند أبي حنيفة وعندهما تجوز بناء على أن المستسعى بمنزلة المكاتب عنده وعندهما بمنزلة حر عليه دين وكون المكفول به معلوم الذات في أنواع الكفالات أو معلوم القدر في الدين ليس بشرط حتى لو كفل بأحد شيئين غير عين بأن كفل بنفس رجل أو بما عليه وهو ألف جاز وعليه أحدهما أيهما شاء لأن هذه جهالة مقدورة الدفع بالبيان فلا تمنع جواز الكفالة وكذا إذا كفل بنفس رجل أو بما عليه أو بنفس رجل آخر أو بما عليه جاز ويبرأ بدفع واحد منهما إلى الطالب .

                                                                                                                                ولو كفل عن رجل بما لفلان عليه أو بما يدركه في هذا البيع جاز لأن جهالة قدر المكفول به لا تمنع صحة الكفالة قال الله تعالى جل شأنه { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } أجاز الله تعالى عز شأنه الكفالة بحمل البعير مع أن الحمل يحتمل الزيادة والنقصان والله عز وجل أعلم ولو ضمن رجل بالعهدة فضمانه باطل عند أبي حنيفة وعندهما صحيح .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن ضمان العهدة في متعارف الناس ضمان الدرك وهو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع وذلك جائز بلا خلاف بين أصحابنا ولأبي حنيفة رحمه الله أن العهدة تحتمل الدرك وتحتمل الصحيفة وهو الصك وأحدهما وهو الصك غير مضمون على الأصيل فدارت الكفالة بالعهدة بين أن تكون بمضمون وغير مضمون فلا تصح مع الشك فلم يكن عدم الصحة عنده لجهالة المكفول به بل لوقوع الشك في وجود شرط الجواز وهو كونه مضمونا على الأصيل وضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع وإذا استحق المبيع يخاصم المشتري البائع أولا فإذا قضى عليه بالثمن يكون قضاء على الكفيل وله أن يأخذ من أيهما شاء وليس له أن يخاصم الكفيل أولا في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أنه قال الكفيل يكون خصما هذا إذا كان المبيع ما سوى العبد فإن كان عبدا فظهر أنه حر بالبينة فللمشتري أن يخاصم أيهما شاء بالإجماع .

                                                                                                                                ولو انفسخ البيع بينهما بما سوى الاستحقاق بالرد بالعيب أو بخيار الشرط أو بخيار الرؤية لا يؤاخذ به الكفيل لأن ذلك ليس من الدرك .

                                                                                                                                ولو أخذ المشتري رهنا بالدرك لا يصح بخلاف الكفالة بالدرك والفرق عرف في موضعه ولو بنى المشتري في الدار بناء ثم استحقت الدار ونقض عليه البناء فللمشتري أن يرجع على بائعه بالثمن وبقيمة بنائه مبنيا إذا سلم النقض إلى البائع وإن لم يسلم لا يرجع عليه إلا بالثمن خاصة في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أنه يرجع عليه بالثمن وبقيمة البناء والتالف ولو سلم النقض [ ص: 10 ] إلى البائع وقضى عليه بالثمن وقيمة البناء مبنيا له أن يأخذ أيهما شاء بالثمن ويأخذ البائع بقيمة البناء في ظاهر الرواية وذكر الطحاوي أنه يأخذ أيهما شاء بهما جميعا إن شاء أخذهما من البائع وإن شاء أخذهما من الكفيل بالدرك ثم يرجع الكفيل على البائع إن كانت الكفالة بأمره جعل الطحاوي قيمة البناء بمنزلة الثمن وهو غير سديد لأن المفهوم من الدرك ضمان المشتري في متعارف الناس فلا تكون قيمة البناء داخلة تحت الكفالة بالدرك وكذلك لو كان المبيع جارية فاستولدها المشتري ثم استحقها رجل وأخذ منه قيمة الجارية وقيمة الولد والعقر فإن المشتري يأخذ الثمن من أيهما شاء ولا يؤاخذ الكفيل بقيمة الولد وللمشتري أن يأخذ قيمة الولد من البائع خاصة لأنه لم يدخل تحت الكفالة بالدرك والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                ولو كفل بما له على فلان فقامت البينة عليه بألف ضمنها الكفيل لأنه تبين أنه كفل بمضمون على الأصيل وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يقر به أما القول قوله في المقر به لأنه مال لزم بالتزامه فيصدق في القدر الملتزم كما إذا أقر على نفسه بمال مجهول وأما اليمين فلأنه منكر الزيادة والقول قول المنكر مع يمينه في الشرع ولو أقر المكفول عنه بأكثر مما أقر به لم يصدقه على كفيله لأن إقرار الإنسان حجة في حق نفسه لا في حق غيره لأنه مقر في حق نفسه مدع في حق غيره ولا يظهر صدق المدعي إلا بحجة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية