الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله (تعالى): إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ؛ روى الأعمش عن سفيان ؛ عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فاجر فيها؛ لقي الله وهو عليه غضبان"؛ وقال الأشعث بن قيس : في نزلت؛ كان بيني وبين رجل خصومة؛ فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقال: "ألك بينة؟"؛ قلت: لا؛ قال: "فيمينه"؛ قلت: إذا يحلف - فذكر مثل قول عبد الله - فنزلت: إن الذين يشترون بعهد الله ؛ الآية؛ وروى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن ؛ عن معبد بن كعب ؛ عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك ؛ عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة؛ وأوجب له النار"؛ قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: "وإن كان قضيبا من أراك"؛ وروى الشعبي عن علقمة ؛ عن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف على يمين صبر ليقطع بها مال أخيه؛ لقي الله وهو عليه غضبان"؛ وظاهر الآية؛ وهذه الآثار تدل على أنه لا يستحق أحد بيمينه مالا هو في الظاهر لغيره ؛ وكل من في يده شيء يدعيه لنفسه فالظاهر أنه له حتى يستحقه غيره؛ وقد منع ظاهر الآية؛ والآثار التي ذكرنا أن يستحق بيمينه مالا هو لغيره في الظاهر؛ ولولا يمينه لم يستحقه؛ لأنه معلوم أنه لم يرد به مالا هو له عند الله؛ دون ما هو عندنا في الظاهر؛ إذ كانت الأملاك لا تثبت عندنا إلا من طريق الظاهر دون الحقيقة؛ وفي ذلك دليل على بطلان قول القائلين برد اليمين; لأنه يستحق بيمينه ما كان ملكا لغيره في الظاهر؛ وفيه الدلالة على أن الأيمان ليست [ ص: 300 ] موضوعة للاستحقاق؛ وإنما موضوعها لإسقاط الخصومة؛ وروى العوام بن حوشب قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل أنه سمع ابن أبي أوفى يقول: أقام رجل سلعة؛ فحلف بالله الذي لا إله إلا هو: "لقد أعطيت بها ثمنا"؛ لم يعط بها؛ ليوقع فيها مسلما؛ فنزلت: إن الذين يشترون بعهد الله ؛ الآية؛ وروي عن الحسن؛ وعكرمة ؛ أنها نزلت في قوم من أحبار اليهود؛ كتبوا كتابا بأيديهم؛ ثم حلفوا: "إنه من عند الله"؛ ممن ادعوا أنه: "ليس علينا في الأميين سبيل".

التالي السابق


الخدمات العلمية