الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 160 ] ( 8 ) باب التعدي في القراض

                                                                                                                        1367 - قال مالك : في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا ، فعمل فيه فربح ، ثم اشترى من ربح المال أو من جملته جارية ، فوطئها ، فحملت منه ، ثم نقص المال ، قال مالك : إن كان له مال ، أخذت قيمة الجارية من ماله ، فيجبر به المال ، فإن كان فضل بعد وفاء المال ، فهو بينهما على القراض الأول ، وإن لم يكن له وفاء ، بيعت الجارية حتى يجبر المال من ثمنها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30886 - قال أبو عمر : ذكر ابن وهب هذه المسألة في موطئه على ما في " الموطأ " ، لم يعتبر فضل قيمة الجارية يوم وطئها ، وإنما اعتبر قيمتها في الوقت الذي وفى به المال رأس ماله .

                                                                                                                        30887 - قال ابن وهب : ثم رجع عنه وقال أقف فيه .

                                                                                                                        30888 - وقال الأوزاعي : إذا وطئها قبل أن يقع له ربح في المال ، فعليه حد الزاني ، وإن كان له فيها ربح جلد مائة جلدة إن كان محصنا ، فإن حملت قومت ، ودفعت إليه ، ورد على صاحب المال ما قارضه فيه .

                                                                                                                        30889 - وقال الليث : إذا ابتاع جاريتين ، فأعتق إحداهما ، وأحبل [ ص: 161 ] الأخرى ، فإنهما ينتزعان منه جميعا ويكون الولد لأبيه بقيمته ، فما نقص من القراض ، فعليه ضمانه ، وما زاد ، فهو بينهما ، ولم يذكر فرقا بين أن يكون ثمن كل واحدة منهما أكثر من رأس المال ، أو مثله .

                                                                                                                        30890 - وقياس قول الشافعي أنه إن وطئ الجارية التي اشتراها من مال القراض كان عليه صداقها ; لدرء الحد عنه بالشبهة ، ولأنه لا يملك منها شيئا ملكا صحيحا ; لأنه لا يستحق من الربح شيئا إلا بعد حصول رأس المال ناضا كما أخذه ، وتباع الجارية في القراض إن لم تحمل ، فإن حملت ضمنها ، فإن كان موسرا جعل قيمتها في القراض ، وإن كان معسرا بيعت ; لأنها مال غيره أراد استهلاكه ، ولا مال له .

                                                                                                                        30891 - هذا قياس قوله عندي ، ولم أجد هذه المسألة في شيء من كتبه في القراض إلا أنه قال في كتاب القراض : ولو اشترى العامل أباه بمال رب المال ، فسواء كان في المال فضل أو لم يكن ولا يعتق عليه ; لأنه لا شيء له في المال قبل أن ينض ، وهو لا ينض إلا وقد باع أباه .

                                                                                                                        30892 - قال : ولو كان يملك من الربح قبل أن يكون المال نضا ، كان شريكا ، وكان له النماء والنقصان ; لأن من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا .

                                                                                                                        30893 - وليس هذا سنة القراض ؟ لأنه ليس بشريك في نماء ، ولا [ ص: 162 ] نقصان ، وإنما له إذا حصل رأس المال حصته من الربح حينئذ وله في الزكاة في حصة العامل في القراض قولان ، هذا أظهرهما في مذهبه .

                                                                                                                        30894 - ولم يختلف قوله : إن العامل لو اشترى بالمال عبدا ، أنه لا يجوز عتقه ، ولا يقومن عليه إن كان موسرا .

                                                                                                                        30895 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ، فمذهبهم أن المضارب لو اشترى بمال المضاربة عبدا فيه فضل ، أو اشتراه ولا فضل فيه ، ثم صار فيه فضل كان المضارب مالكا لحصته من ذلك الفضل ما كان الفضل موجودا .

                                                                                                                        30896 - قالوا : ولو أعتق المضارب العبد ، وفيه فضل جاز عتقه فيه ، وكان كعبد بين رجلين ، أعتقه أحدهما ففي قياس قولهم : إذا وطئ العامل جارية في مال القراض ، وفيه فضل كان حكمه كحكم الشريكين في الجارية ، يطؤها أحدهما ، وإن لم يكن في المال فضل ، لا حين الشراء ، ولا حين الوطء ، فهو كمن وطئ مال غيره .

                                                                                                                        30897 - وأما مالك ، وأصحابه ، فقالوا : إذا وطئ العامل جارية من مال [ ص: 163 ] القراض فحملت ، فإن كان مليئا غرم قيمتها ، وكانت القيمة قراضا ، وصارت له أم ولد ، وهذا قول ابن القاسم ، وأشهب ، وعبد الملك ، وغيرهم .

                                                                                                                        30898 - واختلفوا إذا كان معدما : فروى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه يتبع بالثمن دينا ، وقاله ابن القاسم .

                                                                                                                        30899 - وقال سحنون : هذا كلام غير معتدل ، وأرى أن تباع عليه إلا أن يكون فيها فضل ، فيباع منها بالقيمة ، والباقي يكون منها بحساب أم ولد .

                                                                                                                        30900 - وروى عيسى ، عن ابن القاسم أنه قال : إن كان استسلف المال من القراض ، فاشترى به الجارية ، فالثمن عليه دينا يتبع به مليئا كان أو معدما ، وأما إذا عدا عليها ، وهي من مال القراض ، فإنها تباع إن لم يكن له مال .

                                                                                                                        30901 - قال عيسى : ويتبع بثمن الولد إلا أن يكون له ربح ، فيكون بمنزلة الجارية بين الشريكين يطؤها أحدهما ، وإن ضمنها قيمتها يوم الوطء فلا شيء له من قيمة الولد .

                                                                                                                        [ ص: 164 ] 30902 - وذكر ابن حبيب ، قال : إذا استسلف من المال ، فعليه الأكثر من قيمتها ، أو من الثمن ; لأنه منعه وقد كان لرب المال الخيار في ذلك قبل الحمل ، فكذلك بعد الحمل .

                                                                                                                        30903 - وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم أنه إن لم يظهر ذلك بعد الحمل إلا بإقرار السيد الوطء لم يقبل قوله ; لأنه يريد بيع أم ولده .




                                                                                                                        الخدمات العلمية