الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عل ) العين واللام أصول ثلاثة صحيحة : أحدها تكرر أو تكرير ، والآخر عائق يعوق ، والثالث ضعف في الشيء .

                                                          فالأول العلل ، وهي الشربة الثانية . ويقال علل بعد نهل . والفعل يعلون علا وعللا ، والإبل نفسها تعل عللا . قال :


                                                          عافتا الماء فلم نعطنهما إنما يعطن من يرجو العلل



                                                          وفي الحديث : " إذا عله ففيه القود " ، أي إذا كرر عليه الضرب . وأصله في المشرب . قال الأخطل :


                                                          إذا ما نديمي علني ثم علني     ثلاث زجاجات لهن هدير



                                                          [ ص: 13 ] ويقال أعل القوم ، إذا شربت إبلهم عللا . قال ابن الأعرابي : في المثل : " ما زيارتك إيانا إلا سوم عالة " أي مثل الإبل التي تعل . و " عرض عليه سوم عالة " . وإنما قيل هذا لأنها إذا كرر عليها الشرب كان أقل لشربها الثاني .

                                                          ومن هذا الباب العلالة ، وهي بقية اللبن . وبقية كل شيء علالة ، حتى يقال لبقية جري الفرس علالة . قال :


                                                          إلا علالة أو بدا     هة قارح نهد الجزاره



                                                          وهذا كله من القياس الأول; لأن تلك البقية يعاد عليها بالحلب . ولذلك يقولون : عاللت الناقة ، إذا حلبتها ثم رفقت بها ساعة لتفيق ، ثم حلبتها ، فتلك المعالة والعلال . واسم اللبن العلالة . ويقال إن علالة السير أن تظن الناقة قد ونت فتضربها تستحثها في السير . يقال ناقة كريمة العلالة . وربما قالوا للرجل يمدح بالسخاء : هو كريم العلالة ، والمعنى أنه يكرر العطاء على باقي حاله . قال :


                                                          فإلا تكن عقبي فإن علالة     على الجهد من ولد الزناد هضوم



                                                          وقال منظور بن مرثد في تعال الناقة في السير :


                                                          وقد تعاللت ذميل العنس     بالسوط في ديمومة كالترس



                                                          والأصل الآخر : العائق يعوق . قال الخليل : العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه . ويقال اعتله عن كذا ، أي اعتاقه . قال :

                                                          [ ص: 14 ] فاعتله الدهر وللدهر علل

                                                          والأصل الثالث : العلة : المرض ، وصاحبها معتل . قال ابن الأعرابي : عل المريض يعل علة فهو عليل . ورجل عللة ، أي كثير العلل .

                                                          ومن هذا الباب وهو باب الضعف : العل من الرجال : المسن الذي تضاءل وصغر جسمه . قال المتنخل :


                                                          ليس بعل كبير لا حراك به     لكن أثيلة صافي اللون مقتبل



                                                          قال : وكل مسن من الحيوان عل . قال ابن الأعرابي : العل : الضعيف من كبر أو مرض . قال الخليل : العل : القراد الكبير . ولعله أن يكون ذهب إلى أنه الذي أتت عليه مدة طويلة فصار كالمسن .

                                                          وبقيت في الباب : اليعاليل ، وقد اختلفوا فيها ، فقال أبو عبيد : اليعاليل : سحائب بيض . وقال أبو عمرو : بئر يعاليل صار فيها المطر والماء مرة بعد مرة . قال : وهو من العلل . ويعاليل لا واحد لها . وهذا الذي قاله الشيباني أصح; لأنه أقيس .

                                                          ومما شذ عن هذه الأصول إن صح قولها إن العلعل : الذكر من القنابر . والعلعل : رأس الرهابة مما يلي الخاصرة . والعلعل : عضو الرجل . وكل هذا كلام [ ص: 15 ] وكذلك قولهم : إنه لعلان بركوب الخيل ، إذا لم يك ماهرا . وينشدون في ذلك ما لا يصح ولا يعول عليه .

                                                          وأما قولهم : لعل كذا يكون ، فهي كلمة تقرب من الأصل الثالث ، الذي يدل على الضعف ، وذلك أنه خلاف التحقيق ، يقولون : لعل أخاك يزورنا ، ففي ذلك تقريب وإطماع دون التحقيق وتأكيد القول . ويقولون : عل في معنى لعل . ويقولون لعلني ولعلي . قال :


                                                          وأشرف بالقور اليفاع لعلني     أرى نار ليلى أو يراني بصيرها



                                                          البصير : الكلب .

                                                          فأما لعل إذا جاءت في كتاب الله - تعالى - فقال قوم : إنها تقوية للرجاء والطمع . وقال آخرون : معناها كي . وحملها ناس فيما كان من إخبار الله - تعالى - على التحقيق ، واقتضب معناها من الباب الأول الذي ذكرناه في التكرير والإعادة . والله أعلم بما أراد من ذلك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية