الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر غزوة حمراء الأسد

لما كان الغد من يوم الأحد أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغزو وقال : لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس ، فخرج ليظن الكفار به قوة ، وخرج معه جماعة جرحى يحملون نفوسهم ، وساروا حتى بلغواحمراء الأسد ، وهي من المدينة على سبعة أميال ، فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ، ومر به معبد الخزاعي ، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتهامة ، وكان معبد مشركا ، فقال : يا محمد ، لقد عز علينا ما أصابك . ثم خرج من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستأصلوا المسلمين بزعمهم ، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال : ما وراءك ؟ قال : محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله ، قد جمع معه من تخلف عنه وندموا على ما صنعوا ، وما ترحل حتى ترى نواصي الخيل . قال : فوالله قد أجمعنا الرجعة لنستأصل بقيتهم . قال : إني أنهاك عن هذا ، فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه .

ومر بأبي سفيان ركب من عبد القيس فقال لهم : بلغوا عني محمدا رسالة ، وأحمل [ ص: 53 ] لكم إبلكم هذه زبيبا بعكاظ . قالوا : نعم . قال : أخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصلهم . فمروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بحمراء الأسد فأخبروه ، فقال - صلى الله عليه وسلم : حسبنا الله ونعم الوكيل .

ثم عاد إلى المدينة ، وظفر في طريقه بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، وبأبي عزة عمرو بن عبيد الله الجمحي ، وكان قد تخلف عن المشركين بحمراء الأسد ، ساروا وتركوه نائما ، وكان أبو عزة قد أسر يوم بدر ، فأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير فداء لأنه شكا إليه فقرا وكثرة عيال ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه العهود أن لا يقاتله ولا يعين على قتاله ، فخرج معهم يوم أحد وحرض على المسلمين ، فلما أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا محمد ، امنن علي . قال : المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين . وأمر به فقتل .

وأما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية ، وهو الذي جدع أنف حمزة ومثل به مع من مثل به ، وكان قد أخطأ الطريق ، فلما أصبح أتى دار عثمان بن عفان ، فلما رآه قال له عثمان : أهلكتني وأهلكت نفسك . فقال : أنت أقربهم مني رحما ، وقد جئتك لتجيرني . وأدخله عثمان داره ، وقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشفع فيه ، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن معاوية بالمدينة فاطلبوه . فأخرجوه من منزل عثمان ، وانطلقوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عثمان : والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأطلب له أمانا فهبه لي ، فوهبه له وأجله ثلاثة أيام ، وأقسم لئن أقام بعدها ليقتلنه ، فجهزه عثمان وقال له : ارتحل .

وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد ، وأقام معاوية ليعرف أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان اليوم الرابع قال النبي - صلى الله عليه وسلم : إن معاوية يصبح قريبا ولم يبعد ، فاطلبوه ، فطلبه زيد بن حارثة وعمار فأدركاه بالحماة ، فقتلاه .

وهذا معاوية جد عبد الملك بن مروان بن الحكم لأمه .

وفيها قيل : ولد الحسن بن علي في النصف من شهر رمضان .

[ ص: 54 ] وفيها علقت فاطمة بالحسين ، وكان بين ولادتها وحملها خمسون يوما .

وفيها حملت جميلة بنت عبد الله بن أبي بعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة في شوال .

التالي السابق


الخدمات العلمية