الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6226 6 - حدثني إسحاق ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون البهيمة ، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وإسحاق قال بعضهم : هو إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الحنظلي ، وقال الكلاباذي : يروي البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، وإسحاق بن إبراهيم الكوسج ، عن عبد الرزاق .

                                                                                                                                                                                  قلت : كلامه يشير إلى أن إسحاق هنا يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين لأن كلا منهم روى عن عبد الرزاق بن همام ، وجزم بعضهم بأنه إسحاق بن راهويه من أين ، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد وهمام هو ابن منبه .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في القدر عن محمد بن رافع ، وأخرجه البخاري أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الجنائز في باب ما قيل في أولاد المشركين ، وفيه : أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة ، هل ترى فيها جدعاء ، واقتصر على هذا المقدار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما من مولود " مبتدأ ويولد خبره لأن " من " الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك ما أحد خير منك ، والتقدير ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر وهو قوله : " على الفطرة " أي : على الإسلام ، وقيل : الفطرة الخلقة ، والمراد هنا القابلية لدين الحق إذ لو تركوا وطبائعهم لما اختاروا دينا آخر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يهودانه " أي : يجعلانه يهوديا إذا كانا من اليهود ، " وينصرانه " أي : يجعلانه نصرانيا إذا كان من النصارى ، والفاء في فأبواه إما للتعقيب وهو ظاهر وإما للتسبب أي : إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " كما " إما حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلا ، فالمعنى يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة شبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة ، وإما صفة مصدر [ ص: 150 ] محذوف أي : يغيرانه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " تنتجون " على صيغة بناء المعلوم ، وقال ابن التين : رويناه تنتجون بضم أوله من الإنتاج ، يقال : أنتج إنتاجا ، قال أبو علي : يقال : أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج ، ويقرب منه ما قاله في ( المغرب ) : نتج الناقة ينتجها نتجا إذا ولي نتاجها حتى وضعت فهو ناتج ، وهو للبهائم كالقابلة للنساء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هل تجدون فيها من جدعاء " في موضع الحال أي : بهيمة سليمة مقولا في حقها هذا القول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " جدعاء " أي : مقطوعة الطرف ، وهو من الجدع وهو قطع الأنف وقطع الأذن أيضا وقطع اليد والشفة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية