الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال

                                                                                                                                                                                                                                      في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه لما ذكر شأن القرآن الكريم في بيانه للشرائع والأحكام ومبادئها وغاياتها المترتبة عليها من الثواب والعقاب وغير ذلك من أحوال الآخرة وأهوالها ، وأشير إلى كونه في غاية ما يكون من التوضيح والإظهار حيث مثل بما فصل من نور المشكاة ، وأشير إلى أن ذلك النور مع كونه في أقصى مراتب الظهور إنما يهتدي بهداه من تعلقت مشيئة الله تعالى بهدايته دون من عداه عقب ذلك بذكر الفريقين وتصوير بعض أعمالهم المعربة عن كيفية حالهم في الاهتداء وعدمه ، والمراد بالبيوت : المساجد كلها حسبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقيل : هي المساجد التي بناها نبي من أنبياء الله تعالى : الكعبة التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وبيت المقدس الذي بناه داود وسليمان عليهما السلام ، ومسجد المدينة ومسجد قباء اللذان بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنكيرها للتفخيم . والمراد بالإذن في رفعها : الأمر ببنائها رفيعة لا كسائر البيوت ، وقيل : هو الأمر برفع مقدارها بعبادة الله تعالى فيها فيكون عطف الذكر عليه من قبيل العطف التفسيري ، وأيا ما كان ففي التعبير عنه بالإذن تلويح بأن اللائق بحال المأمور أن يكون متوجها إلى المأمور به قبل ورود الأمر به ناويا لتحقيقه كأنه مستأذن في ذلك فيقع الأمر به موقع الإذن فيه . والمراد بذكر اسمه تعالى : ما يعم جميع أذكاره تعالى . وكلمة "في" متعلقة بقوله تعالى : يسبح له .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : فيها تكرير لها للتأكيد والتذكير لما بينهما من الفاصلة وللإيذان بأن التقديم للاهتمام لا لقصر التسبيح على الوقوع في البيوت فقط ، وأصل التسبيح : التنـزيه والتقديس ، يستعمل باللام وبدونها أيضا كما في قوله تعالى : سبح اسم ربك الأعلى . قالو : أريد به الصلوات المفروضة كما ينبئ عنه تعيين الأوقات بقوله تعالى : بالغدو والآصال أي : بالغدوات والعشايات ، على أن الغدو إما جمع غداة كقنى في جمع قناة كما قيل ، أو مصدر أطلق على الوقت حسبما يشعر به اقترانه بالآصال وهو جمع أصيل وهو العشي ، وهو شامل الأوقات ما عدا صلاة الفجر المؤداة بالغداة ، ويجوز أن يراد به نفس التنزيه على أنه عبارة عما يقع منه في أثناء الصلوات وأوقاتها لزيادة شرفه وإنافته على سائر أفراده ، أو عما يقع في جميع الأوقات . وإفراد طرفي النهار بالذكر لقيامهما مقام كلها لكونهما العمدة فيها بكونهما مشهودين وكونهما أشهر ما يقع فيه المباشرة للأعمال والاشتغال بالأشغال . وقرئ : "والإيصال" وهو الدخول في الأصيل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية